أفغانستان وطالبان لمن لا يعرفهما

آراء 2021/09/29
...

 ْهشام جمال داود
في هذه المدة كانت هناك مجموعة من طلاب الدين البشتون أطلقت على نفسها اسم طالبان وتعني جمع كلمة طالب، يترأسهم الملا محمد عمر، تهدف الى إقامة امارة إسلامية وترفض كل الأطراف المتنازعة والمشاركة في الحرب الاهلية، فحدثت اشتباكات بينهم وبين شاه مسعود أدت في النهاية الى لجوء الملا عمر واتباعه الى باكستان. 
 
باكستان وكما قلنا لعبت دوراً كبيراً في كل الأحداث التي جرت على ارض أفغانستان، فمنذ اجتياح القوات السوفيتية لأفغانستان كانت المخابرات الباكستانية تقوم وبالتنسيق مع المخابرات الاميركية بدعم وتدريب المقاتلين والفصائل، التي اشتركت بالحرب والقتال ضد السوفييت، وهذا ما صرح به مستشار الامن القومي الأميركي بريجينسكي "أردنا ان يكون للسوفييت ڤيتنامهم الخاصة بهم".
وتعود المخابرات الباكستانية مجدداً لتكون لاعباً اساسياً عن طريق دعم طالبان ضد الفصائل نفسها التي دعمتها في الامس.
فعندما هرب الملا عمر الى باكستان لم يكن برفقته الكثير من الاتباع، لكنه عاد الى بلاده ومعه أكثر من 1500 مقاتل بشتوني باكستاني يرتدون الزي الافغاني وقاموا بمهاجمة الحكومة الأفغانية، وضربوا العاصمة كابول بالصواريخ ما أدى الى انسحاب القوات الحكومية وانسحاب شاه مسعود وعبد الرشيد دوستم والجميع الى شمال البلاد، تاركين العاصمة بيد طالبان التي شكلت الحكومة الجديدة وغيرت اسمها الى "امارة أفغانستان الإسلامية".
قام أنصار الحكومة السابقة بتشكيل حلف الشمال، الذي ضم الفرقاء الذين كانوا يتقاتلون ضد بعضهم البعض، لتبدأ مرحلة الصراع بينهم وبين طالبان والدخول بحرب أهلية جديدة في البلاد.
 القادة الإسلاميون المتشددون والجنرالات العسكرية يتنوعون عرقياً وقومياً، لذلك فإن صراعاتهم وتحالفاتهم تختلف تماماً عن أي بلد من بلدان العالم، مثلاً من البشتون هناك:
 داوود خان/مستقل، وتراقي/ شيوعي، وحفيظ الله امين/ شيوعي، وحكمتيار/ إسلامي سني، وملا عمر/ إسلامي سني، ونجيب الله/ شيوعي، ومحسني/ إسلامي شيعي، وعبد الرسول سياف/ إسلامي سني.
 ومن الطاجيك: بابراك كارمال/ شيوعي، وبرهان الدين رباني/ سني، واحمد شاه مسعود/ سني 
 ومن الاوزبك عبد الرشيد دوستم، ومن الهزارة عبدالعلي مزاري.
هذه التشكيلة من القادة  متنوعي الفكر والاتجاه والمذهب  والعقيدة، حدثت بينهم أحداث دامية في فترة معينة وتحالفات في فترات أخرى مرة ضد المحتل،  ومرة في ما بينهم بشكل يصعب على القارئ حل خيوط المسألة الأفغانية المتشابكة والمتداخلة بشكل كبير.
من بين الأمثلة على هذه التقلبات، عبد الرشيد دوستم هو جنرال في الجيش الافغاني، وكان يقاتل ضد من يسمون انفسهم بالمجاهدين، وفي أواخر أيام الاحتلال السوفييتي انقلب وانضم الى المجاهدين ضد السوفييت وضد حكومة نجيب الله، وبقي متحالفاً معهم لفترة معينة، وبعدها حدثت اشتباكات بينه وبين كل من شاه مسعود من جهة، وحزب الوحدة بقيادة مزاري من جهة أخرى، وعند دخول طالبان للعاصمة كابول أصبح رشيد ضمن حلف الشمال الذي يضمه هو وشاه مسعود وجماعة عبد العلي مزاري، ولكن عند دخول الاحتلال الأميركي انقلب عليهم وانضم الى جانب الاميركان.
وهرب اخيراً في آب 2021 تاركاً العاصمة تسقط بيد طالبان هو والرئيس اشرف غني. كذلك حكمتيار الذي انقلب كما ذكرنا ضد مؤتمر الوحدة، الذي ضم الفصائل السبعة التي ذكرناها. وأيضا شاه مسعود الذي حارب ضد السوفييت جنباً الى جنب مع جميع الفصائل، لكنه دخل في فترة من الفترات في قتال مع حزب الوحدة الافغاني الشيعي، وكذلك حدثت بينه وبين طالبان مواجهات عدة كما ذكرنا، وحكمتيار كان معهم واصبح ضدهم جميعاً.
لذلك نقول إن من المستحيل ان يتكرر سيناريو أفغانستان الدامي في بلد آخر، فهو وضع خاص بهم.
لربما ان لطالبان حسنة واحدة بالنسبة لمن يقرأ تاريخ أفغانستان، ألا وهي انهم ازاحوا كل المجاميع والفصائل الاسلامية واستولوا على الحكم بمفردهم.
 
كانت هذه نظرة سريعة لأحداث أفغانستان من سبعينيات القرن الماضي الى اليوم، ولكن تبقى هناك التساؤلات المحيرة واولها:
- كيف تورط الاميركان في أفغانستان، علماً أن بريجينسكي صرح لصحيفة ليبراسيون بأنه عندما علم بالاجتياح السوفييتي لأفغانستان، اتصل برئيسه وأيقظه من نومه قائلاً: (لقد دخل السوفييت الى محرقة الامبراطوريات)، فكيف تجاهلت إدارة بوش الابن هذه المعلومات وزجت بنفسها وسط الفصائل التي انشأتها إدارة سلفهم جيمي كارتر، وتجاهلوا مقولة مستشارهم للأمن القومي عن افغانستان؟.
- اتهمت أميركا تنظيم القاعدة بتنفيذ هجمات 11 سبتمبر، وطلبت من حركة طالبان تسليم بن لادن وباقي قادة التنظيم الى الاميركان، وعندما رفضت طالبان تسليمهم قامت بغزو أفغانستان خريف 2001، بينما كانت تستطيع قتل بن لادن عن طريق تتبعه بالطائرات وقصف مقره، فلماذا اختارت سبيل الغزو وتحملت الكثير من الخسائر المادية والبشرية لعقدين من الزمان؟.
- لماذا يعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان نصراً بحسب ما يذكر في الاعلام، بينما يتم اعتبار الانسحاب السوفييتي خسارة مذلة؟، علماً أن الامريكان أنفقوا في أفغانستان اكثر من تريليون دولارت، وهو أكثر بأضعاف المرات مما أنفقه السوفييت هناك، وخسائرهم في الأرواح والمعدات لا يمكن مقارنتها مع الخسائر 
السوفييتية؟.
- هل أن أميركا الآن مرتاحة للوضع في أفغانستان؟ فبغض النظر عن السنين التي اضاعتها أمرييا هناك والحكم الذي عاد من جديد الى طالبان، لكن السؤال الأهم هو هل إن وضع أميركا اقتصادياً، سيكون أفضل عندما انسحبت من أفغانستان لتتركها أرضة خصبة للاستثمارات الصينية، التي ستستغل الموارد الطبيعية والثروات المعدنية الهائلة الموجودة في 
أفغانستان؟.
- ما هو موقف الاميركان لو ان الصين وروسيا وإيران قاموا معاً بلعب دور المصالح، وتمكنوا من تحقيق المصالحة بين الهند وباكستان؟.
ستبقى هذه الأسئلة بلا أجوبة، وكل من يسأل عن واحد منها فإن الجواب التقليدي جاهز دائماً وهو: ستكشف الأيام والسنون الوثائق السرية التي تظهر الحقيقة. ما معناه ان الحقيقة ستبقى غائبة الى الأبد وتذهب طي النسيان.