عبدالزهرة محمد الهنداوي
مضت 18 عاما على التحول الشامل الذي شهده العراق، ذلك التحول الذي شمل جميع مفاصل الحياة، ومنها الجانب الاقتصادي، إذ كان من المفترض ان يتحول اقتصادنا من الاشتراكي الشمولي الأحادي الريعي، الى الاقتصاد الحر المتنوع التنافسي المستدام، يكون فيه للقطاع الخاص دور القيادة والريادة لعجلة التنمية، مع تقليل الاعتماد على النفط الى ادنى مستوياته، وتحقيق التنوع لمصادر تكوين الناتج المحلي الاجمالي، عبر تحقيق التوازن المطلوب بين القطاعات الانتاجية..
ولكن ذلك التحول المطلوب لم يتحقق بما كان يجب ان يكون، اذ مازال النفط هو المهيمن على تمويل الموازنة، ومازال القطاع العام الحكومي، هو المسيطر على جميع المفاصل، وحتى هذه اللحظة، مازال اقتصادنا ريعيا أحادي الجانب، ومستويات النمو الحقيقي لم تشهد ارتفاعا في وتيرتها فهي تتباطأ عاما بعد عام، ولم تشهد نسب مساهمات القطاعات الاساسية ارتفاعا في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، اللهم إلا القطاع الزراعي الذي وصلت نسبة مساهمته الى نحو 7 ٪، فيما لاتكاد نسبة مساهمة القطاع الصناعي تُذكر، وكذا الحال بالنسبة للقطاع السياحي، وباقي القطاعات التي تشكل مجتمعة نحو 40 ٪، بينما يستحوذ النفط وحده على نسبة الـ (60 ٪) من الناتج المحلي الاجمالي..
إذن كيف يمكن أن يتحقق النهوض الاقتصادي الذي نريد؟..
قد يبدو السؤال عريضا جدا، ومن ثم فإن الاجابة عليه، لن تكون منطقية، بلحاظ الخطط والستراتيجيات التي تم وضعها خلال السنوات الماضية، ولكنها لم تفلح في تحقيق هذا النهوض، وذلك بسبب جسامة التحديات الاقتصادية والامنية والاجتماعية والبيئية والمؤسساتية والمالية، وكل ذلك ادى بطبيعة الحال الى الكثير من التداعيات على المشهد الاقتصادي تحديدا.
ومن تلك التداعيات ضعف توجيه الانفاق الحكومي نحو المشاريع ذات العمالة الكثيفة، رافق ذلك إهمال كبير للقطاع الخاص، وغياب القطاع المصرفي عن المشهد التنموي، وهذا الغياب تسبب بتردي مناخ الاستثمار واختلال بنية الانتاج والميزان التجاري وارتفاع الدين العام، وسوى ذلك من الاختلالات الهيكلية في البنية التنموية.
وهنا يمكن القول، إننا طالما جربنا الخطط متوسطة المدى (الخمسية)، فهناك ثلاث خطط، كانت الاولى 2010 - 2014، لم تكتمل، فجاءت خطة 2013 - 2017، وآخرها خطة 2018 - 2022، ولم تحقق تلك الخطط اهدافها، فعلينا ان نسلك طريقا اخر، يتناسب والتحديات التي تواجه التنمية في العراق، وقد يكون اللجوء الى السياسات القصيرة تأثيرا ايجابيا أكبر، فمثل هذه السياسات، ربما تبني اقتصادا اكثر قوة، فضلا عن زيادة مستوى القدرة على التنبؤ بمسارات المستقبل، ومن ثم المساعدة على رسم السياسات المحفزة للنمو، ما يتيح الفرصة في معالجة الفجوات التنموية المتزايدة، وصولا الى نمو اقتصادي طويل الأمد.