كربلاء.. نشيد الحزن والثورة

آراء 2021/10/02
...

  وجدان عبدالعزيز
 
الحقيقة إن قضية الحسين «عليه السلام»، التي حدثت منذ ألف وأربعمئة ألف سنة، بقيت منارات انسانية كونية، لأنها ثورة ضد الظلم والطاغوت، لأثرها الكبير والمؤثر في الوجدان الشعبي، خصوصاً أنها كانت مليئة بالفصول المأساوية وزاخرة بالصور التراجيدية، التي تثير في النفوس الأسى العميق، كونها ايثارات بالنفس من أجل أهداف سامية أكبر من حياة الانسان المحصورة بسنوات العمر، فمثلا تضحية العباس وهو في أرض المعركة وقطعوا يمينه يقول أدافع ابدا عن ديني وعن امام صادق اليقيني، حتى يسقط مضرجا بدمائه الزكية، ليعلن براءته من الطاغوت اليزيدي الظالم، وتكون تضحيته خالدة في درسها الانساني، رغم حزن الفقدان بالموت، وهكذا بقضية الطفل الرضيع وقتله ظمآنا، وسبي النساء وحرق الخيام وترك المريض والطفل والمرأة في العراء، مع فقدان الماء ناهيك عن مؤن
الغذاء.
فالشعور بالحزن أكثر من مجرّد الشعور بالأسى فحسب، إنه ردّ فعل انفعالي طبيعي إزاء فقدان كبير، فالحزن يحدث عند وقوع تغيُّرات كبيرة في حياة الناس، وهذا ما أثارته ثورة الحسين وواقعتها على ارض كربلاء، وبروز جيش يزيد الجرار امام قلة عدد اصحاب الحسين، ثم ان هناك الجرائم التي ارتكبها الجيش المعادي ضد الحسين واصحابه بمنع الماء، ومن ثم قتل الطفل الرضيع عبدالله وحرق الخيم وما سببه من رعب لدى النساء والاطفال، كما أشرنا اعلاه، حيث بدأت تظهر هذه التراجيديا وآثارها عبر السنين، فكانت هذه المشاعر هي الأساس في الرثاء الحسيني، والذي تخطى هذه المؤثرات إلى المطالبة بالثورة، تقول الدكتورة بنت الشاطئ: «ما أحسب أن التاريخ قد عرف حزناً كهذا طال مداه حتى استمر بضعة عشر قرناً من دون أن يفتر، فمراثي شهداء كربلاء هي الأناشيد، التي يترنّم بها الشيعة في عيد حزنهم يوم عاشوراء في كل عام، ويتحدّون الزمن أن يغيّبها في متاهة النسيان»، فكربلاء تعني الثورة، تعني الحرية، تعني مبادئ الخير والصلاح التي جسدها الإمام الحسين «عليه السلام» على ثراها، وهكذا أصبحت كربلاء النشيد الحزين عند الشعراء، لتصبح الانشودة الحماسية في التنديد بالظلم، فكل الثورات التي أعقبت ثورة الحسين استمدت من كربلاء هذا المعنى، لتصبح المثال والرمز الرافض للظلم، وكانت معين الشعراء في الابداع الشعري الحزين الذي يحمل روح الثورة، وشعارها الخالد «هيهات منّا الذلة».