دور الهندسة السياسيَّة في بناء الدول

آراء 2021/10/02
...

 محمد كريم الخاقاني 
 
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين وتغير موازين القوى نحو السيطرة الأميركية وتفردها بقيادة العالم، ظهرت مصطلحات جديدة تتناغم مع هذه المتغيرات، ومن بينها الهندسة السياسية التي تُعنى ببناء الدول ومؤسساتها وطرق إدارتها. وكان من المفيد هنا أن تتم استعارة مصطلح الهندسة من العلوم الطبيعية الى العلوم الإنسانية، فأصبحت مواضيع حقوق الإنسان والديمقراطية مثار اهتمام المختصين بالشأن السياسي، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل امتد ليشمل بناء الدولة وإدارة شؤونها وتطوير المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وفق الأسس والمعايير المتبعة في المنهجية العلمية بقصد إحداث عملية تحول في الدولة ونقلها من واقعها المتخلف الى واقع متطور ومتقدم، اي بمعنى تطوير الوسائل والآليات القديمة وبما يتناسب مع متغيرات الأوضاع لتكون اقرب إلى عملية إصلاح شاملة للمؤسسات القائمة. 
ويمكن القول بأن الدول تعمل بكل جهودها على الاستفادة من تجارب غيرها وذلك من أجل تحقيق التنمية والانتقال من دولة متخلفة فاشلة الى دولة متطورة متقدمة، ولنا في تجارب اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول نماذج ناجحة، وتعتمد الهندسة السياسية على بعض العناصر والعوامل في تحقيق ما تطمح اليه الدول، ومن ابرزها؛ جودة التعليم والإهتمام بالقاعدة الطلابية، وصولاً الى اعلى المستويات وحُسن التخطيط والتدبير واختيار المناسبين لتقلد المناصب، اي بمعنى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، اعتماداً على مواصفات وإمكانيات كالكفاءة والخبرة، فضلاً عن دعم مجالات الإبداع والتطور لتحقيق الأهداف التي تسعى اليها الدول. 
ومن هنا يمكننا القول بأن الهندسة السياسية تركز على شؤون إدارة الدولة وذلك من خلال إعادة شاملة لشكل السلطة والمجتمع المكون لها، ومحاولات جدية لبناء المؤسسات الحكومية والخاصة وبما يعود بالنفع على الدولة ككل وإنتقالها من حالة التخلف الى حالة التقدم، وذلك عبر إحداث الإصلاحات على ما هو قائم بالفعل من مؤسسات الدولة وإعادة هيكلتها، وبما ينسجم مع متطلبات العصر، وهذا لا يعني بأي شكل من الاشكال إزالة الموجود، بل عملية ترميم للمؤسسات وبصورة تدريجية وبطريقة علمية مدروسة، وصولاً لتحقيق التغيير المتناغم مع ما تهدف اليه الدولة، ومن ضمن ما تهدف عملية الهندسة السياسية الى تعزيزه هو ما يتعلق بالعمل الحزبي والتنافسية في ما بينها للوصول الى السلطة والتداول السلمي لها، عبر تطبيق آلية الانتخابات والتمثيل النيابي لتلك الأحزاب، فضلاً عن ضمان توافر دستور يصون تلك الحقوق، فهي تضمن تكريس الحالة الديمقراطية ومسببات الأخذ بالحكم الرشيد، والعمل على تفعيل المشاركة لجميع مكونات الشعب فيها.