الانتخابات.. ما الذي نأمله منها؟

آراء 2021/10/03
...

 باسم محمد حبيب
على الرغم من أن الانتخابات هي استحقاق سياسي مهم، إلا أننا يجب ألا نعلق عليها آمالا عريضة في أنها ستضمن مجيء قوى سياسية أكثر نضجا ووعيا بمسؤولياتها من القوى السابقة، التي تحكمت في المشهد السياسي أو حتى تغير القوى القديمة نفسها بحكم ما اكتسبته من خبرة وما مرت به من تجارب خلال الثماني عشرة سنة الماضية من توليها المسؤوليات السياسية والإدارية في البلاد، فحصول مثل هذا الأمر يعد أمرا بعيدا نسبيا، وفي نظر كثيرين أقرب إلى المستحيل على وفق المعطيات الحالية، مع أننا نرى في ذلك نوعا من اليأس أو التشاؤم المبالغ فيه.
إن هناك أمرين نظريين يجعلان من نتائج الانتخابات ليست بذات قيمة لتغيير واقع البلاد: أولهما – صعوبة فوز كتلة نيابية كبيرة مؤمنة بالتغيير ومستعدة للعمل لأجله مهما واجهت من عقبات، لأنه حتى في حال وصول نواب من كتل جديدة إلى البرلمان، فإن ذلك لن يكون كافيا للتأثير في القرار السياسي ما لم يحوزوا على الأغلبية فيه، وهذا الأمر يبدو بعيدا على وفق المعطيات الحالية، لأن القوى القديمة ما زالت تملك كثيرا من الأوراق التي تتيح لها كسب نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان من دون أن تبذل جهدا كبيرا بحكم ما لديها من نفوذ سياسي ومال وسلاح وإمكانات، وبالطبع هذا لا يعني أن الأمر محسوم لهذه القوى لأن هناك من يراهن على عنصر المفاجأة، الذي قد تفجره القوى الجديدة وبالأخص المستقلين وقوى تشرين، وثانيا – حتى في حال فوز كتلة كبيرة راغبة في التغيير فأن هذا الأمر لا يكفي لتحقيق هدفها و إنجاح مسعاها، لأن المحاصصة ستكون حاضرة عند مناقشة أمر كهذا .
لكن مع ذلك لا يمكن النظر إلى الانتخابات على أنها بلا قيمة البتة، سواء أكان ذلك لكونها مكسبا لا يمكن التفريط به، أم لكونها تقي من كثير من الإشكالات بما في ذلك الإشكالات السياسية والأمنية التي ستثار في حال عدم إجراء الانتخابات في موعدها بتحريض ممن يملك أوراق لعب عدة سواء من الكتل أو الأفراد، وفي مقدمة هؤلاء، الذين يجدون أنفسهم مؤهلين لقيادة البلاد أو فرض وجودهم في المشهد السياسي الذي هو في جانبه الإيجابي ضمانة لمنع الانفراد بالسلطة وعودة البلاد إلى الدكتاتورية لكنه من جانبه السلبي قد يكون خطرا ومسببا للفوضى والصراعات .
لكن أهم شيء يمكن أن تفرزه الانتخابات هو القدرة على صنع المبادرات التي هي برأيي السبيل الوحيد لأخراج البلاد من أزمتها الحالية، إذ يحقق فوز نسبة من النواب الراغبين بالتغيير توجيه الأمور نحو هذا الهدف، على الرغم من امكانية عرقلة ذلك من قبل من لا يؤمنون بذلك أو من لديهم وجه نظر آخرى بما في ذلك الذين يخشون من فقذان نفوذهم وامتيازاتهم، لكن بالإرادة القوية والاصرار والعزيمة يمكن ان يتحقق هذا الهدف .
ولا حاجة للتأكيد بأن المبادرات المطلوبة يجب أن تصب في خدمة تغيير الواقع السياسي بشكل كامل بعد أن ثبت وبالتجربة سوء هذا الواقع وتسببه بمعاناة كبيرة للناس، فلم يعد هناك مجال للحلول السطحية أو المبادرات الشكلية بعد أن تحولت البلاد إلى مرتع للفاسدين والمجرمين وساحة للتدخلات الخارجية، بينما أخذ النسيج الاجتماعي بالتفكك بتأثير الطائفية ثم العشائرية التي أخذت تسود الآن .
لكن تغيير الواقع السياسي يتطلب ما هو أكثر من لقاءات وحوارات سياسية، بل اجراء مفاوضات يشارك فيها الجميع للاتفاق على تغيير بعض بنود الدستور أو حتى وضع دستور جديد يوفق بين حاجة البلاد لأن تكون موحدة وقوية وحاجة المكونات للتعبير عن وجودها ضمن النظام السياسي، فضلا عن أجراء تغيير في هيكل النظام حتى يكون ملبيا لحاجات وتطلعات جميع العراقيين، وبالطبع لا يمكن أن يحصل كل ذلك من دون ضغط أو دعم شعبي، وبضمانات بحماية الديمقراطية، فضلا عن دعم المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة التي يجب عليها أن تضطلع بدور أكبر لأخراج البلاد من أزمتها وتوجيهها إلى الوجهة الصحيحة .