الصباح: نافع الناجي
حتى عهدٍ قريب من العام الحالي، كان الجميع يمنّي النفس بأن يرتقي سعر برميل النفط الى «50» دولاراً، بعد أن مرّ العالم بأزمات طاحنة أربكت كل البلدان الصناعية المتقدمة منها، وحتى تلك الفقيرة المستهلكة، في حين يحاول الجميع التعايش مع عوالم الجائحة التي غيّرت الكثير من المفاهيم المعتادة، ولاسيما في الجانب الاقتصادي.
قشة النفط
تسعى الدولة العراقية بعد المحن العديدة التي عاصرتها، الى النهوض مجدداً واستعادة مكانتها المهمة في المنطقة كبلدٍ كبير ذي ثروات هائلة وعضو فاعل في منظمة أوبك التي تتحكم بصادرات وبورصات وأسواق الخام والغاز العالمية. ولا سبيل أمام البلاد سوى التشبث بقشة النفط التي قد تقي الاقتصاد العراقي «الأحادي» من الغرق.
تعافي الاقتصاد
الشعب العراقي بات يمني النفس، بأن تكون هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، فمن جديد تفتح أسعار النفط المرتفعة نافذة أملٍ جديدة بتعافي اقتصاد البلاد التي أنهكتها الحروب والنزاعات لتعاني من تداعيات جائحة كورونا، ومن تراكمات الفساد.
الخبير والمحلل الاقتصادي د. محمد سمير يقول، ان «أكثر أشكال الفساد إضراراً، هي التلكؤ في اتخاذ القرار بالقضاء على الفاسدين».
مضيفاً «اصبحت الثقافة السائدة في العراق هي النأي بالنفس عن أي ملف قد يتحول الى قضية أو تحقيق، وهذا هو الفساد الذي يبطء الاقتصاد ويجعله
مشتتاً».
استثمار العوائد
الأكاديمي د.مسعود عبد الله يوضح، أن «رسوخ أسعار النفط فوق السبعين دولاراً يمكّن البلاد من حلحلة ملفات عديدة، سبق وأن تضررت في عهد الجائحة العالمية»، مبينا أنه «بهذا الحال الجديد، يستطيع العراق الترحيب من جديد بالمستثمرين في القطاع الخاص، كما ان أمامنا فرصة تاريخية في استثمار العوائد الدولارية وتوجيهها صوب تطوير قطاع الغاز وفي مقدورنا أيضاً معالجة العجز الذي سببه الانخفاض السابق للخام على موازنات
البلد».
وتابع عبد الله «من المعلوم ان ارتفاع أسعار النفط دولاراً واحداً للبرميل، يعني انخفاض العجز السنوي لميزانية العراق بقيمة مليار دولار، في حال استمر جهدنا التصديري بالرقم الحالي الذي يتجاوز 3 ملايين و880 الف برميل يومياً».
استثمار الغاز المصاحب
«أن تصل متأخراً، خير من ألا تصل»، هذه المقولة تنطبق تماماً على نجاح العراق في إبرام عقودٍ مع شركاتٍ رصينة مؤخراً غايتها استثمار الغاز المصاحب بدلا من حرقه عبثاً في الهواء. وبعد عقدين مميزين مع توتال الفرنسية وبيكر هيوز الأميركية، يبدو أن وزارة النفط سائرة في منح إحدى الشركات الصينية عقد تطوير حقل غاز المنصورية في ديالى.
ومن شأن هذه الخطوة ان تضيف نحو ثلاثمئة مليون قدم مكعب من الغاز للإنتاج المحلي، ستمكّن البلاد من تجاوز تداعيات الفيروس والتخلص ولو تدريجياً من مظاهر البيروقراطية والفساد، كما ستعزز آفاق النمو الاقتصادي العراقي لمعدلات تربو على تلك التي توقعها البنك الدولي والبالغة 8.4 بالمئة خلال العام المقبل شريطة تحقيق الاستفادة المثلى من أسعار الخام المرتفعة حالياً.