التطبيع مع من؟

آراء 2021/10/04
...

 مهند الهلالي
التعايش بسلام جملة صغيرة ربما عهدناها منذ بدء الخليقة، وربما أن جانبا كبيرا من شرائع الاديان كان هدفها تحقيق هذا المبتغى المقدس، وليس بعيدا عن اذهاننا أن المسلمين وتحديدا المؤمنين بشريعة خاتم النبيين محمد {صلى الله عليه وآله) من اكثر الملل تقديسا وتطبيقا لها وهنا لا يفوتنا أن المقصود بالمؤمنين، هم حاملو الرسالة بمبادئها ونصوصها والذين تنقلت ارواحهم عبر الاصلاب المؤمنة والارحام المطهرة 
 
حتى تجسدوا بهيئة بشر قبل أن يعودوا إلى بارئهم وحياتهم الاصلية، هذا التجسيد الذي وجده الله جل وعلا لامتحان تلك الذات الانسانية العليا ومعرفة الصادق منها أو العكس، ضمن ملحمة إلهية اسطورية تجسد عظمة الباري وعدالته السامية. إن الخوض بالجانب الفلسفي للذات ربما يُذهب بجوهر ما نريد التحدث بشأنه وهو السلام ومفاهيم تحقيق التعايش ضمنها، إن السلام الانساني رغم كونه مسعى للجميع إنه خاضع لشروط كتبتها الشرائع السماوية وكذلك الانسانية لحفظ كرامة المتعايشين ضمن حدوده.
وكي نكون واضحين اكثر أن مفهوم التعايش السلمي بين شخصين أو شعبين أو أمتين ما في حال عدم تحقيقه مبدأ التكافؤ الاخلاقي المصلحي بين الطرفين المعنيين، سيتحول إلى تعايش متخاذل أو مهان لأحد الأطراف، لا سيما إنْ كان مبنيا على تفوق في القدرات لأحدهما وخوف من قبل الاخر، أما السلام الحقيقي القابل للاستمرار فهو ذلك المبني على الاحترام المتبادل للطرفين أحدهما تجاه الاخر، هذا الاحترام الذي يحفظ حقوقهما ومصالحهما وخصوصيتهما معا في آن واحد وبإيمان مطلق.
واذا ما تطرقنا إلى الحدث الذي شغل حيزاً مجتمعيا كبيرا في العراق في الايام الماضية وهو دعوة بعض الشخصيات للتطبيع مع اسرائيل ضمن مؤتمر رسمي عقد على أرض عراقية، فإننا لا نستطيع إلا التنبيه عن ماهية هذه الفكرة وتداعياتها ومسبباتها سياسيا واجتماعيا سواء في العراق أم المحيط الاقليمي للبلاد.
هنا تبرز تساؤلات عن دواعي السلام المفترض بين العرب وهذا الكيان الجغرافي المبني على أساس عنصري؟.
 إن الاجابة قد تضعنا امام حقائق لا يمكن اخفاؤها بأي شكل من الاشكال، وغالبا ما تكون منطقية يعرفها القاصي قبل الداني وهي أن الانظمة العربية أو الاسلامية المطبعة، أو التي تسعى لذلك تحاول كسب الود العالمي من جهة والفوز بامتيازات اللوبي اليهودي العالمي الداعم لما يعرف بالحكومة العالمية من جهة اخرى، لضمان بقاء سطوتها على شعوبها أو اختزال الزمن من حيث التطور الاقتصادي عبر استثمارات ودعم مالي وعمراني إلى آخره من الامتيازات المغرية، ولكن ذلك سيكون عبر اي تنازل؟. 
 سيكون ذلك عبر تناسي الحقوق المشروعة للعرب وللبلد العربي سين أو صاد، وهنا يتساءل السائل: وما الضير من تحقيق تلك الامتيازات وهل كتبت المعاناة علينا؟، ولماذا لا نفكر بمصالحنا في العيش الرغيد؟. 
 وهنا تكون الإجابة واضحة ايضا فمن طريق التمعن بالتاريخ القديم والحديث والمعاصر نجيب بتساؤل: هل مِن  استسلام شعب أو فرد لطرف اقوى في سبيل مصلحة ما على أساس القوي مقابل الضعيف أو المتمكن المقتدر مقابل مسلوب الإرادة، ستصمد وفق رؤية الجهة الضعيفة المستسلمة وأحلامها بكف شر الطرف الاقوى ؟ جوابنا الاستفهامي هذا ربما تكون اجابته واضحة لا تقبل التأويل، وهي أن القوي سيبقى يطلب التنازلات الواحدة تلو الاخرى حتى يتمكن من الضعيف فيسلبه كل شيء رويدا رويدا من دون اي تضحية أو خسائر أو حروب، هذا منطق السياسة في حياتنا وحياة من سبقونا، فالأحلام ليس لها وجود في هذه الدنيا فهي تبقى احلام، والسلام هدف منشود لكل انسان في أرجاء المعمورة غير أن الحقيقة تجبرنا أن نوعّيَ من غفل عنها وهي أن هذا السلام لا يأتي عبر تنازل أو استسلام إنما بأخذ الحقوق واعتراف المقابل بك وبوجودك، وهنا نحن لا نحتم القول بأن عملية أخذ الحقوق لا تأتي الا عبر الحروب، غير أن هناك وسائل أُخَرَ يمكن للمظلوم أن يتبعها لاسترداد تلك الحقوق، وهي الحرب الاقتصادية والمخابراتية والسياسية آخذينَ بالحسبان حجم دول المنطقة وأهميتها تجاه جيب جغرافي صغير بُنِيَ وصمد وقوي من طريق رغبة عالمية وليس بضعف عربي أو اسلامي، ولعل جميعنا يعرف الاليات التي ظهرت بها الدول العربية بشكل الضعيف وهي ابعد ما تكون عن هذا الوصف، فكيف تكون ضعيفة وهي مصدر الموارد المالية للعالم وهي موطن الطاقة ومنبعها وتتحكم بممرات العالم الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، فهل من يمتلك هذه المواصفات ودول مستقلة ذات سيادة يعد ضعيفا؟، بل إن ارتباط شخوص سياسية بأعداء الأمة رسم لشعوبها هذا الفكر الخيالي غير الصادق، فلنعد اذن لأصولنا الانسانية قبل الدينية لمعرفة آليات السلام الحقيقية لا آليات الاستسلام بغير مقابل، والذي لن يكون بطبيعة الحال الا استسلاما وربما مقدمة لشيء اكبر واخطر علينا التنبه له قبل حدوثه، كما علينا الايمان المطلق بعظمة بلادنا وقدراتها الاقتصادية للنهوض بالواقع وليس استجداءه من طامع أو 
عدو.