الأسرار خلف الأزرار

آراء 2021/10/05
...

   عادل جبار 
(خلف كلِ باب سر)
هذا ماكُنا نسمعه وما كان يُردده الاباء لأولادهم نُصحا وموعظة وحِفاظا على ما يدور داخلها، لا أحد يعلم ما يدور خلف الابواب ولا حق لأحد بالتدخل مهما كانت صِلته بأهل الدار، حتى الجار والاقارب لذا كانت تُحل أغلب المشكلات داخل البيوت، والتي غالبا ماتكون أبوابها موصدةً بإحكام ودِقة من دون اللجوء للتهويل والتشهير. والامر ايضا ينطبق في حالات الخصام الزوجي، فالبيوت كانت مكامن خفية لا يعلم احد ما يدور في كنفِها وحتى المناسبات الخاصة كانت لا تتعدى جدارن المنزل، لذا كان احدنا يخرج للناس بوجه حسنٍ بشوش يخفي جراحاته وهمومه، بعيدا عن الأعين ولا يُظهر الا الجانب المشرق من حياته. 
بمرور الايام وتقادم الزمن واستهلاك الساعات وبعد أن اقتحمت التكنولوجيا اعمارنا وتحشرت في كل تفاصيلنا من اصغرها لأكبرها، وخلافا لكل ماقد سمعناه من آبائنا واعتدنا على حفظه اثرا يبقى لأجيال أُخر، فما نعيشه اليوم بات مُختلفا بشكل جذري. حيث لم يعد للبيت سر فكلها اصبحت بمتناول الجميع، خصوصا في الاونة الاخيرة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وبهذا الكم الهائل التي اجتاحت حياتنا وخصوصيتنا وانتهكت جميع الأسرار ورُفع عنها الحجاب واخترقت جميع القيم والعادات، وبدأت توثق أدق تفاصيل حياتنا فلم يعد للانسان مكمن لأسراره الا نفسه التي ربما لا تريد ذلك هي الاخرى. 
فالخصامات والافراح والاحزان والمواقف الأسرية البحتة اصبح الجميع يعلم عنها، حتى الشعور النفسي هو معلوم من خلال الخاصيات التي تعمل عليها مواقع التواصل الاجتماعي. فلانٌ يشعور بالجوع او الغضب او الغبطة او الحزن، واخر يحتفل بعيد ميلاده او زوجته او اطفاله. وهناك أسرة اخرى لديها مشكلات بين الابناء والاباء او الازواج ويطلبون الحل والمشورة. 
كُثر هي حالات الطلاق والزواج والفضائح، التي نسمع ونشاهد عنها عشرات الحالات يوميا او ذهابنا الى مكان ما وجلسنا في ذاتِ مطعم وكان مذاقه ليس جيدا، ويبدأ الناس بإعطاء آرائهم وتحليلاتهم حول المواضيع التي تُطرح على مواقع التواصل الاجتماعي.
إضافة الى العنف الاسري والاضطهاد وبعض المفاهيم العشائرية التي سادت بالفترة الاخيرة تُجاه الأسر، وانتشرت بشكل موسع في الفضائيات ومواقع التواصل. كُلها امورٌ أدت بطبيعة الحال الى تلاشي اسرار تلك البيوت واصبحت حديث الشارع العراقي.
فجدران المنازل لم تعد تُخفي ما يدور خلفها بعدما اُخترقت من قبل تلك المنصات الاجتماعية، التي اضحت شاهدةً على كل شاردة وواردة داخل كنف البيت. 
استسهال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، الكبت النفسي، الضغوطات الاقتصادية، عدم ايجاد فرص العمل، عدم استخدام الانترنت بصورةٍ سليمةٍ، كُلها عوامل تضافرت بإعلان المواقف الحياتية للجميع وإباحتها للعلن، كما ان ظهور ما يُسمى بالـ(الكروبات) على مواقع السوشال ميديا، جعل من مُرتاديها كاميرات مُراقبة على تفاصيل الحياة اليومية وتداولها، كل هذا يُعد تطورا تكنولوجيا علينا ان نبقى مفتوحي الأعين بشكل مستمر. 
هل هو تطورٌ ام انفتاح أم حريةٌ ان اسرارك باتت بين صفحات ملايين البشر الالكترونية؟. هل تلك المواقع قلبت موازين المعادلة الحياتية وهل هذا التفكك الاسري والاضطهاد والعنف هو جزء من كينونة المجتمع في فترة الحرية والديمقراطية، تتكاثر الاسئلة وتكبر وتتعقد الاجابات، ويبقى الجزء الاكبر معقودا على فقدان الحصة الاكبر من المنظومة التعليمية على وجه الخصوص، فأضحت جميع مفاصل الحياة بحاجة الى اعادة ترميم لمافقدته من تلك القيم والعادات، التي غادرت ونخشى ان تكون من دون رجعة. 
ما لم تكن هناك وقفة حقيقة وجادة تبدأ من داخل الأسرة، وصولا الى جميع افراد المجتمع مع اشراك الدولة في مفاصلها كافة لإعادة تلك المنظومة القيمية والاخلاقية الى رونقها والسمة الانسانية التي خُلقنا بها، فإحكام العقل قبل العواطف تُجاه الاشياء المصيرية او الاسرية للحفاظ عليها من التفكك.