التحقيق مع المتهمين.. للقضاء أم للإعلام؟

آراء 2021/10/06
...

  سلام مكي
للعمل الجزائي أصول وأسس تستند اليها المحاكم ومركز الشرطة ومكاتب التحقيق، تستمد من نص القانون ومن ما وراء نص القانون أحيانا، وهذه الما وراء النص القانوني، يستخدمها القاضي، بناءً على سلطته التقديرية التي منحها القانون نفسه له أو من خلال اجتهاده، الذي يسعى لجعله يدور في فلك القانون ولا يتجاوزه، حتى يضمن تطبيقا سليما للقانون.
 
ومن اهم تلك الأصول التي يعتمدها القاضي والمحقق ورجل الأمن، تتمثل في اتباع الآليات المعتبرة في التحقيق، كون مرحلة التحقيق من أهم مراحل العمل الجزائي وأكثرها خطورة، ففي مرحلة التحقيق يقوم القاضي عن طريق المحقق ورجل الأمن بجمع الأدلة المعتبرة، التي تقدم في ما بعد إلى محكمة الموضوع جاهزة وهي التي تقرر، في ما إذا كانت تلك الأدلة تنهض لتشكل جريمة أو كافية لإدانة المتهم أو غير كافية أو لا قيمة قانونية لها، فتقرر على ضوء إجراءاتها أما الإفراج عن المتهم أو إدانته. 
والتحقيق كعلم وفن، تطور ونما مثله مثل باقي العلوم والفنون، وأخذت الجامعات تعده منهجا لتدريس طلبة كليات القانون، لأهميته ودوره في العمل 
القضائي. 
ومن أبسط أساسيات التحقيق أن يمارس من قبل الجهة التي خولها القانون وتحت إشراف قاضي التحقيق والادعاء العام، وهذه الإجراءات تمثل ضمانات للمتهم وللعدالة. حيث جاء قانون أصول محاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 بآليات واضحة وصريحة للتحقيق. 
فالمادة 49 أ مثلا نصت على أن التحقيق الذي تقوم به مراكز الشرطة ويكون عندما يتم الاخبار عن جريمة أمام ضابط الشرطة، حيث ألزمت تلك المادة أي مسؤول في مركز الشرطة تدوين أقوال المخبر وإرسال تقرير بذلك إلى المحكمة. 
أما إذا كان الاخبار مقدما إلى قاضي التحقيق مباشرة، فيتم التحقيق من قبل المحققين تحت إشراف القاضي، حسبما نصت عليه المادة 51 أصولية. وكل النصوص التي جاء بها قانون أصول محاكمات الجزائية، تنص على أن التحقيق يكون من اختصاص القاضي المختص مكانيا. أما المادة 52 فنصت على أن التحقيق يتولاه القاضي بواسطة محققين وله أن ينيب أعضاء الضبط القضائي لاجراء معين. 
الفقرة ب من ذات المادة بينت ان كشف الدلالة يتم من قبل المحقق أو القاضي على مكان وقوع الجريمة لبيان وصف الجريمة والآثار المادية التي وقعت على المجنى عليه. 
ومن كل هذا نخلص إلى نتيجة أن التحقيق يتم بواسطة القضاء فقط، أما التحقيق الذي يجرى من قبل جهات أخرى ويبث عبر وسائل الاعلام فلا سند له من القانون، بل ويعد خرقا قانونيا وتجاوزا على سلطة القضاء ومسؤوليته وموجب لتحريك شكوى بحق الجهات التي تتعدى على القضاء عندما تمارس اختصاصا اصيلا له وهو التحقيق، وإن ما يعرض على بعض الفضائيات من برامج يتم فيها التحقيق مع متهمين ما زالوا في مرحلة التحقيق ولم يصدر بحقهم أي قرار بات، لهو مخالفة دستورية وقانونية وفيه تعدٍ على القضاء 
وعلى المتهمين.