المرارة وإنتاج الرمز

آراء 2021/10/06
...

 حارث رسمي الهيتي
 
من ساحة التحرير قلب العاصمة العراقية بغداد ولد الجديد، ومن بين {بسطيات} الفقراء والمعدمين و{مسطر} العمال الذين تناوبت المفخخات والعبوات الناسفة على أجسادهم انطلق الصوت، وما بين هؤلاء كانت تنتصب خيام المطالبين بلقمة عيش كريمة، يضاف لها خيام الاعتصامات المفتوحة في أكثر من مكان على طول البلاد، ومن شرقه إلى غربه وهي تطالب بالماء والكهرباء والأمن وشبكات التصريف الصحي. من واقع لا ينكر بؤسه حتى القائمون على إدارة مفاصل الدولة العراقية ارتفع الصوت عالياً في البحث عن الوطن، وطنهم الذي ظلوا يحلمون بأن يستوعبهم ويحقق طموحاتهم ويحترم 
آدميتهم. 
من كل هذا الواقع الذي لا يقول ببؤسه فقط من وقف في ساحات الاحتجاج تولّدت الرموز الجديدة، قبل عامين من اليوم لم يعتقد أحدنا إن هيكلاً قديماً ومهجوراً سيتحول إلى أيقونة وعلامة ترتديه الجميلات كقلادة على صدورهن، من كان يعتقد أن صاغة الذهب سيحولون بناية المطعم التركي إلى ميدالية، تضاف إلى السلاسل الذهبية التي تقتنيها النساء. 
قبل عامين من اليوم لم تكن نسبة كبيرة من العراقيين يعتقدون إن المرأة قادرة على أن تصمد في أشد اللحظات والمواقع خطورة، يومها شاهدناها وهي تسعف الجرحى قرب تقاطع مول النخيل يوم كان (الموت يدك علينا الباب)، شاهدناها تركض لتعالج أو توصل الطعام إلى حائط الصد فوق جسر الجمهورية وقرب ساحة الخلاني والمحتجين في شارع الرشيد، من منا لم يشاهدها تقف برجل واحدة على الــ{تكتك}وهي تصرخ مطالبةً الجميع بفتح الطريق أمامها كونها تحمل جريحاً لم تستطع أن توقف نزفه. 
نصب الحرية باعتباره تجسيداً لرفض الظلم وغياب العدالة، والمطعم التركي كونه شاهداً على إهمالٍ طال عمره، وعربة التكتك من حيث إنها صارت مستقبل أولئك الذين عجزوا من الوصول إلى فرصة عيش كريم كلها رموز أنتجتها تشرين.