علي حسن الفواز
ما يجعل الانتخابات المقبلة مفصلية، هو حجم المشاركة فيها، وحجم المتغيرات في يمكن أن تحدثه عبر اختيار الوجوه البرلمانية الجديدة، إذ ستكون سعة المشاركة رغبة وطموحا شعبيا للتغيير، مثلما سيكون التغيير ذاته هدفا لتوسيع مديات العملية السياسية، وتجاوز عقدها التقليدية، ووضع خيار النجاح فعلا لتجديد الثقة، أو لانتخاب برلمانيين جدد، يملكون الشجاعة والاهلية، لمواجهة الفساد والرثاثة والضعف، وللشروع باتجاه بناء واقع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي أكثر تمثيلا للمستقبل، واكثر تعبيرا عن هموم الناس الذين عانوا طوال ثمانية عشر عاما من تعقيدات وصراعات ومظاهر وضعت العملية السياسية في خانة الاتهام، والمسخوط عليها عبر التظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها المدن العراقية منذ عام 2011.
الانتخابات الجديدة في دورتها الخامسة لا تكشف عن واقع الحال، بل ينبغي أن تكون كشفا للمستقبل، وتجاوزا لجميع معطيات الواقع السياسي المأزوم، ولمواجهة الصعوبات التي رافقته، بسبب الصراعات الاهلية، وسوء الادارة، وترهل البنى الوظيفية، وتعطل التنمية، وكثرة التدخلات في الشؤون الداخلية، وأحسب أن هذا الأمر رهان لا بدَّ منه، إذ لا بديل عن النجاح سوى النجاح، وبعكسه فإن تداعيات الفشل ستكون كارثية، ومفتوحة على احتمالات معقدة، وستقود الى تداعيات نفسية صعبة، أولها عدم الثقة بالديمقراطية والدولة والمستقبل، وثانيها بقاء الفاسدين بعيدا عن الرقابة والعقاب، وثالثها تشوه مفهوم الدولة وقدرتها على صيانة الامن المجتمعي في سياقاته السياسية والاقتصادية والثقافية، ورابعها الضعف في مواجهة التحدي الأمني، واخطار الجماعات الارهابية، وخامسها العجز عن ادارة ملفات التنمية في سياقاتها المتعددة، لاسيما في المدن التي تحررت من الارهاب الداعشي، أو المدن التي عانت وتعاني من ارهاب الفساد ومضاره التي انعكست على تعطيل مئات المشاريع الكبرى في المدن العراقية.
التأكيد على مفصلية الانتخابات، هو احترام ارادة الناس، ولجميع الاستعدادات والجهود التي تم بذلها وانجازها لإنجاح هذه الانتخابات، والتي باتت موضوعا دوليا، على مستوى المتابعة والحرص على ارسال المراقبين والاعلاميين، وعلى مستوى ترقّب النتائج والنجاح في ادارة هذه الانتخابات بعيدا عن التزوير والضعف، إذ يرصد العالم الانتخابات العراقية وكأنها "الفرصة الذهبية" لانجاح الديمقراطية في بلد يعاني من تاريخ طويل من توحش "الحكم الديكتاتوري" وعبثية حروبه واوهامه، لكي تكون درسا في التطبيق وفي الممارسة، وفي احترام ارادة العراقيين وهم يتطلعون للمستقبل.