غياب منصات التواصل الاجتماعي والحتميَّة التكنولوجية

آراء 2021/10/06
...

 ْ منى زعرور
 
في الوقت الذي يعرف فيه العالم قفزات تكنولوجية عملاقة، خاصة في ميادين الذكاء الاصطناعي والمعلوماتية والفضاء الاتصالي، يشهد هذا العالم أزمات عميقة ناجمة عن جائحة كورونا، وتدهوراً في الاقتصاديات العالمية، وعلى عدة مستويات. ليس آخرها الحدث المفاجأ، الذي هز العالم لساعات بعد حدوث عطل مفاجئ لأكثر من 32 منصة إلكترونية عالمية، بما فيها محرك البحث الرئيسي"غوغل"، والذي منع ملايين الأفراد حول العالم من الوصول إلى منصاتهم المفضلة واستخدامها. وهذا يعيد طرح التساؤل حول مدى إمكانية الوثوق بالتكنولوجيا وأدواتها، لا سيما الاتصالية منها وحفظ البيانات فيها وعلى المدى البعيد؟!.
لكن هذا الحدث المفاجأ كشف بدوره  أيضاً عن تعاظم دور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في حياة الأفراد وعمل المؤسسات حول العالم؛ مؤكداً ما طرحه عالم الإعلام والاتصال "مارشال مكلوهن" في نظريته المعروفة بـ" الحتمية التكنولوجية" التي جادل فيها بأن التحول الأساسي في الاتصال التكنولوجي سيجعل التحولات الكبرى تبدأ لدى الشعوب، ليس فقط في التنظيم الاجتماعي، وإنما في الحواس الإنسانية أيضاً. هذه الامتدادات في استخدامات الحواس الإنسانية، أظهرت آثارها الوجدانية بوضوح مع مشاعر الخوف والقلق الذي أصاب مستخدمي المنصات إثر غيابها، والذي ضاعف من تنامي الشعور بالاغتراب العالمي بعد تنامي ظاهرة اغتراب الأفراد في مجتمعاتهم.  
كان من الواضح أن تعثر منصات مثل"   facebook " "instagram" wtsapp"  قد ساهم بشكل واضح في انقطاع الاتصال بين فئات كثيرة من الناس، رغم وجود تطبيقات بديلة عدة للاتصال مثل: Duo، telegramme،.. ورغم وجود تلك الخيارات الأخرى، فإن غياب التطبيقات المذكورة قد  أدى إلى انحسار للتواصل على مستوى عالمي مما ضاعف من أهمية الحدث. بالطبع، فإن دول العالم لم تكن متساوية في التأثر بهذا الحدث، فبعض البلدان مثل السعودية، إيران، والتي يستخدم مواطنوها السنابشات أو التلغرام، لم يكن التأثير فعليّا وملاحظا لغياب التطبيقات المذكورة، لا سيما مع سياسات الأمن الالكتروني التي تحد من بعض مميزات التطبيقات المتعثرة مثل اتصال واتساب في السعودية أو مجمل تطبيق الفيسبوك في إيران.
ومع تعذر الوصول إلى محرك البحث غوغل، كان الغريب استمرار إمكانية استخدام البريد الالكتروني التابع له" Gmail"، وظهور ما يشبه "الهجرات الجماعية" أو "النزوح"  الافتراضي إلى منصات جديدة مثل تلغرام أو "club house " والتي بيّنت الفجوة على مستوى الحضور والاستخدام بين الدول العربية، لا سيما بين لبنان ومصر، فبعض المجموعات اللبنانية كانت تقتصر على 21 فرداً في غرفة المحادثة كحد متوسط، أما المجموعات المصرية فكانت تفوق في بعضها الـ200 شخص كحد متوسط وصولاً إلى600.
 وفي مقاربة ومعالجة حدث غياب المنصات، كانت المجموعات المصرية على club house  تتسم بالجدة والجدية من حيث تحليل المسألة علمياً وتقنياً من خلال النقاش واستضافة خبراء. أما المجموعات اللبنانية فكانت نقاشاتها تتسم بالسخرية إزاء الحدث.
وبالنسبة لمسألة اعتياد بعض المجتمعات على استخدام تطبيقات بعينها، فقد وجد المستخدمون (النازحون) الجدد إلى التطبيقات الأخرى، أنفسهم في موقع الدهشة والنفور ومواجهة أزمة مباشرة مع رواد تلك المواقع؛ وهذا ما تمت ملاحظته أثناء المحادثات وعقب انتفاء الحدث، بالكتابة والتذمر مما حصل.
أما المضحك فإنه، بغياب هذه المنصات، شارك العالم، لبنان والعراق وبعض الدول أزماتهم المتمثلة في انقطاع الانترنت نتيجة انقطاع التيار الكهربائي في أكثرالأوقات، وما تعانيه هذه الدول من مشكلات تكنولوجية وحياتية تجعلها ضمن الدول المهمشة على صعيد الانتفاع العادل من التقنية، مما يؤكد وجود فجوة عالمية عل الصعيد الرقمي والتقني والاقتصادي يجب معالجتها.
هذا الحدث لم يكشف أهمية التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي فحسب، وإنما أظهر حاجة الجماعات  البشرية للتدفق المعلوماتي الذي تؤمنها هذه التطبيقات التي غابت لساعات. تلك التطبيقات التي كانت تمثل للمستخدمين المصدر الرئيسي للخدمات الإخبارية، التجارية،الصحية،... وليس الاتصالية فقط، والتي عبرها تتحقق المعرفة والتواصل والتسلية. وهذا ما يدفعنا للتفكير ملياً حول هيمنة هذه الوسائط على حياة  وتفكير الشعوب وسلوكياتها، وأهمية وضع برامج ودراسات وسياسات وطنية و دولية لمعالجة أدوارها و تأثيراتها،واستشراف الآثار المترتبة على تطورها ونتائج تلك الآثار على مستقبل العالم.    
كاتبة لبنانية