تطوير أساليب التحقيق

آراء 2021/10/09
...

 زهير كاظم عبود 
تداول الكثير من  العراقيين واقعة اعتراف احد المتهمين بقتل زوجته في مرحلة التحقيق، واتضح بعد ذلك ان زوجته لم تزل على قيد الحياة، ومن خلال تلك الواقعة حاول بعض ان يشكك بقدرة القضاء العراقي ويطعن بأساليب التحقيق، الذي يجريه المحقق في دوائر الشرطة او بعض مراكز القوى الأمنية. لعزوف الكثرة من العراقيين اقتناء ومطالعة الكتب القانونية، التي تخص الحياة العملية وللاطلاع على أسس عمليات التحقيق وسير الإجراءات التحقيقية ودور القاضي والمحكمة بعد ذلك، ولعل متن قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل مثال على ذلك، وهو الكتاب المختص بالدوى الجزائية في جميع مراحلها.
ويعزو بعض الذين علقوا على تلك الواقعة من ان الاعترافات الكاذبة جاءت نتيجة التعذيب واستعمال القسوة في مرحلة التحقيق او لوجود خلل في عملية التحقيق، غير ان قانون أصول المحاكمات العراقي يمنع استعمال الاكراه والتعذيب والقسوة من قبل المحقق، وتعد الاعترافات المنتزعة جراء ذلك غير قانونية وليس لها قيمة قانونية امام المحكمة المختصة. 
وفصل القانون نصوصا خاصة بالتحقيق الذي تجريه الشرطة، وركز القانون على أهمية اختيار المحقق وصفاته التي يتم اعتمادها عند اختياره، واثبات استعمال أساليب الاكراه والقسوة بسيطة ويمكن اثباتها بالأدلة المادية منها او المعنوية، وليس فقط عدم وجود القيمة القانونية لتلك الاعترافات والاقوال، انما تدل دلالة اكيدة على فشل المحقق الذريع في التوصل الى الحقيقة، لا بل مساهمته الجادة في ضياع الحقيقة وطمس معالم الفعل الجرمي بقصد او دون قصد، مما يتطلب الامر ان يتم اختيار المحققين في مراكز الشرطة والقوى الأمنية من بين ضباط الشرطة الحائزين على شهادة القانون، إضافة الى تمتعهم بالذكاء والفطنة والخبرة التي يتم اكتسابها في الدورات التخصصية. 
الدستور العراقي  حرم في الفقرة ج من المادة 37 منه جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولاعبرة باي اعتراف انتزع بالإكراه او التهديد او التعذيب «وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقا للقانون»، كما ان الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 كانون الأول من العام 1948 حدد في المادة الخامسة انه لا يجوز إخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا انسانية أو الحاطة بالكرامة. 
القضاء العراقي يعتمد التحقيق الاولي الذي يجريه المحقق في مراكز الشرطة لكن القاضي النبيه المتمرس يستطيع ان يكتشف الاعترافات المنتزعة بطريقة التعذيب والتهديد، كما يمتلك من الوسائل والأدوات القانونية التي تساهم في كشف صحة ومشروعية تلك الاعترافات، واجبار المتهم على الاعتراف الكاذب بزعم حسم المحقق للقضية المناطة به دليل اكيد على فشله في توجيه مسار التحقيق للتوصل الى الحقيقة، ومثل تلك الأساليب ليس فقط مرفوضة ومدانة وبعيدة عن الأساليب العصرية المعتمدة بالتحقيق انما تشكل جريمة يحاسب القائم بالتحقيق عليها. وتأسيسا على ما ورد بنصوص الدستور العراقي فان قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969 المعدل نص في المادة «322» على معاقبة كل موظف أو مكلف بخدمة عامة قبض على شخص أو حبسه في غير الأحوال التي ينص عليها القانون، وحدد عقوبته بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات أو بالحبس، وحددت العقوبات الواردة في أحكام الفصل الثالث في المواد من 232 – 421 تجاوز الموظفين حدود وظائفهم بما فيها تقييد الحريات والتجاوز عليها وإساءة استعمال السلطة. 
ونصت المادة «333» منه على معاقبة كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم او شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء بأقوال او معلومات بشأنها أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها، بالسجن أو الحبس، وعد استعمال القوة أو التهديد بحكم التعذيب.
ونصت المادة «137» من قانون أصول المحاكمات الجزائية أنه لا يجوز استعمال أية وسيلة غير مشروعة للتأثير في المتهم للحصول على إقراره، ويعتبر من الوسائل غير المشروعة «إساءة المعاملة» و«التهديد بالإيذاء» أو «الاغراء بالوعد والوعيد» و(التأثير النفسي» واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير. 
أجهزة الشرطة وقوى الامن الداخلي ملزمة ان تختار المحققين الذين تتوفر بهم قوة الملاحظة والخبرة والثقافة، التي تحترم حقوق الانسان والنزاهة والشجاعة في سعيه للعدالة والوصول الى حقيقة تفاصيل القضية التحقيقية والدقة في عملية بوجدان وحياد. 
مجلس القضاء الأعلى أيضا مدعو بدوره المختص بتعيين قضاة التحقيق والاشراف على عملهم أن يجدد النظرة في اختيار قضاة الصنف الرابع في المحافظات والعاصمة وان يكونوا من قضاة الأصناف المتقدمة التي تتوفر لهم، إضافة الى التجربة والخبرة  التأهيل القضائي  والقدرة على المعرفة والاحاطة بسلبيات وايجابيات عمل المحققين الذين ينبغي ان تخضع تقييماتهم الى قضاة التحقيق للتماس في العمل المشترك 
بينهم. وحتى لا تتكرر مثل هذه القضية التي تخل بمسارات العمل التحقيقي وتطعن بقدرة ونزاهة المحقق ان تتم إعادة دراسة وتقييم تجربة التحقيق في العراق، وان يتم استغلال مركز التطوير القضائي والمعهد القضائي لتخرج المحققين بما يتناسب مع حاجتنا وتعزيزا لثقة المواطن بقدرة ونزاهة أجهزة الشرطة ونزاهة وعدالة القضاء العراقي.