لأول مرة يطبّق الناخبون العراقيون قانون الدوائر المتعددة، بدلا من اعتماد البلاد كدائرةٍ انتخابيةٍ واحدة مثلما حصل في انتخابات العام (2005) أو اعتماد كل محافظة من محافظات العراق الثماني عشرة كدائرة، كما حصل في الانتخابات النيابية بدوراتها الثلاث الماضية، ما يعني فعلياً تقسيم العراق الى (83) دائرة انتخابية بدلا من (18).
فمنذ العام (2005) وحتى آخر انتخابات برلمانية نظمت في آيار من العام (2018)، تجرى الانتخابات بنظام الدائرة الانتخابية الواحدة، لكن انتخابات تشرين لهذا العام لن تكون كذلك، فهناك (83) دائرة انتخابية لست عشرة محافظة بينها بغداد التي تمتلك منها سبع عشرة دائرة، وبحسب مختصين، فالنظام الانتخابي الجديد سيكون له تأثير كبير في حفظ أصوات الناخبين وحقوق المرشحين على حدٍ سواء.
النائب سعران الأعاجيبي، في الدورة المنتهية لمجلس النوّاب، قال لـ «الصباح»، إن «الدوائر المتعددة، خطوة إيجابية لإحداث التغيير السياسي المنشود في العراق وتعد مكسباً حقيقياً للشعب، وأنا شخصياً مع إقرار قانون الدوائر المتعددة».
وعن سبب ذلك يضيف «نظام الدوائر المتعددة سيتيح للكتل الصغيرة أن تحظى بالمقبولية وتنال حقها في الاقتراع، كما تتيح للمواطن الانتخاب الفردي الحرّ والمباشر، وبمعنى أشمل فهي تنهي هيمنة الأحزاب الكبيرة التي كانت تبتلع أصوات الكيانات الصغيرة».
واوضح الأعاجيبي «الانتخاب بهذه الطريقة سيكون سلساً، بسيطا وغير معقّد، ومن الممكن أن تتمكن الدورة البرلمانية المقبلة بوجوهها المستقلة الجديدة، من القضاء على آفة الفساد وإنهاء حالات التزوير والتلاعب التي كانت لا تخلو منها التجارب الانتخابية السابقة».
الخبير القانوني علي التميمي من جهته، قال «شكّل عدد الدوائر الانتخابية نقطة خلافية شائكة في القانون الانتخابي، استغرقت أشهراً للتوافق حولها، وقد صادق رئيس الجمهورية على القانون الجديد بعد (11) شهراً من إقراره في البرلمان، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية ومطالب ثورة تشرين التي نادت آنذاك بسن قانون عادل للانتخابات، بحيث لا تحتكر الأحزاب المشاركة في السلطة المقاعد النيابية».
مؤكدا، أن {القانون الجديد المتكوّن من خمسين مادة تم الاقتراع عليها في البرلمان جاء منسجماً مع المادة التاسعة والأربعين من الدستور، التي تفيد بأن كل نائبٍ يمثّل مئة الف نسمة، بمعنى إن النائب الذي سيتم انتخابه بشكل مباشر في هذه الدائرة يمثّل مئة ألف مواطن من أهالي تلك المنطقة، يعرفونه ويدركون سلوكه وتصرفاته، وبالنتيجة سنكون أمام برلمانٍ حقيقي وممثل فعلي للشعب يستطيع مراقبة عمل الحكومة بشكل جاد، وتنبثق منه سلطة تنفيذية تمثل الشعب بشكل حقيقي».
ومن المعلوم إن مقاعد الدائرة الواحدة تتكون من ثلاثة الى خمسة مقاعد، بحيث يكون عدد سكان كل دائرة انتخابية يتراوح بين ثلاثمئة الى خمسمئة الف نسمة، فبغداد مثلاً لها سبع عشرة دائرة انتخابية يفوز عنها تسعة وستون نائبا.
وحول مدى تعرّف المواطن البسيط على هذا القانون والتعديلات التي أجريت عليه، ذكر التميمي، أن {الأشهر الماضية شهدت مئات الندوات التثقيفية والنشاطات التعريفية، سواء من قبل منظمات المجتمع المدني أو مكاتب وفروع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فضلاً عن وسائل الإعلام التي سلّطت الكثير من حزم الضوء على بنود قانون الدوائر المتعددة وشرحته بالتفصيل، ما يجعلنا نشعر بالتفاؤل أن معظم المواطنين فهموا حقوقهم وواجباتهم بموجب الطريقة الجديدة في الانتخاب والمزايا العديدة التي توفرها لهم»، لافتاً الى، أن «مكاتب المفوضية فتحت مراكز اتصالات متخصصة للإجابة على استفسارات وأسئلة المواطنين والناخبين حول العملية الانتخابية وهي خطوة طيبة تحسب للمفوضية بطبيعة الحال».
ويرى متابعون أن القانون الجديد يسمح بدخول مستقلين وأحزاب حديثة النشأة الى مجلس النواب، كما أنه وضع الخصوم السياسيين وجهاً لوجه في بقعٍ سكنيةٍ صغيرة، وهو ما أثار مخاوف أن يؤول التنافس الانتخابي الى حصول أعمال عنفٍ أو اغتيالات او تسقيط لا أخلاقي، أو الانسحاب من المنافسة بشكلٍ كامل، وهو ما حصل بالفعل حين أعلنت بعض الأحزاب والزعامات عدم ترشحها للانتخابات.
أما أستاذ العلوم السياسية، نجم عبد طارش، فأشار الى جملةٍ من المتغيرات من بينها تغيّر مزاج الناخب العراقي، بقوله «هذه الانتخابات تأتي وسط جملة من المتغيرات، فهي تجرى تحت إشراف مجلس مفوضين جدد من القضاة بعكس الدورات الماضية، وتحظى بدعمٍ ومواكبةٍ مستمرةٍ من قبل بعثة الأمم المتحدة، كما ستحظى بإشرافٍ دولي واسع النطاق لضمان نزاهتها وشفافيتها»، وأضاف «تم تسجيل اكبر عدد من الناخبين (يناهز 25 مليوناً) منذ بدء العمل بالنظام البايومتري في العام 2013، وشكّلت لجنة أمنية عليا لإدارة الخطة الأمنية وحمايتها من أي اختراقات، كما إن تسجيل الأحزاب والكيانات وإجراء القرعة تمت بشكل علني شفاف ومحايد أمام وسائل الإعلام».
وكشف طارش، عن جزئيةٍ مهمةٍ عزاها لتغير المزاج للناخب العراقي، حيث يمضي الى القول «أعتقد انه حصل في الأيام الأخيرة تصاعد كبير جدا في نسبة الراغبين في الذهاب الى صناديق الانتخابات».
وأضاف «بات عندنا ما يسمى الآن بمفهوم جديد يمكنني وصفه بـ (الاقتراع العقابي) من خلال استقراء المزاج العام الذي يشكل الشباب غالبيته».
مشيراً، بالقول «رغم وجود فئة لايستهان بها أعلنت صراحة مقاطعة الانتخابات، والمقاطعة هنا هي موقف سياسي وليست عزوفاً وكانت واضحة ومؤثّرة خلال انتخابات العام 2018».
واستدرك «التغيير الحاصل عند الشباب يعدّونه نوعاً من التحدي وكان جلياً بتظاهراتهم واعتصاماتهم خلال العامين 2019 و2020، لذا تغيّرت بوصلتهم وصار الاتجاه أن يقبلوا على صناديق الاقتراع، لأن اقتراعهم بكثافة سيعمل على تحقيق شرخ في جدار الطبقة السياسية، التي سيطرت على البرلمان والحكومات خلال الفترات السابقة».
«إذ سيكون تأثير اقتراعهم أمضى وأبلغ من حرق مقر لهذا الطرف أو ذاك أو استمرار اعتصاماتهم وتظاهراتهم، ما دامت الدوائر المتعددة وتغيير القانون الانتخابي هي أحد أهم مطالبهم التي تحققت».