عقوبة العمـل للنفـع العام

آراء 2021/10/13
...

    كاظم عبد جاسم الزيدي 
منذ القدم ارتبط العمل بالعقوبة، وتم التعبير عنه في القوانين بالعمل العقابي وقد تطور العمل العقابي مع تطور العقوبة ووظيفتها. حيث لم يكن للعقوبة السالبة للحرية كيانها القانوني المستقل في التشريعات الجنائية القديمة، فقد كان النظام العقابي لا يعتمد بدرجة اساسية على العقوبات البدنية.  
وفي العصر الحديث تكاثرت المطالب للتقليل من استخدام عقوبة الحبس القصير المدة والبحث عن بدائل لها، واهمها عقوبة العمل للنفع العام ولم تنشأ فكرة عقوبة العمل للنفع العام، بمعزل عن التطور الشامل للقانون الجنائي ذلك التطور الذي كان نتيجة جهود علماء الفكر الجنائي للبحث في شتى اتجاهات العلوم الجنائية، ويقصد بعقوبة العمل للنفع العام بأنه قيام المحكوم عليه بعمل، من دون اجر موجه لفائدة عامة الشعب، بدلا من وضعه في المؤسسة العقابية اذا توافرت الشروط التي حددها القانون. وتخضع عقوبة العمل للنفع العام لمبدأ الشرعية أي لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، حيث لا يجوز توقيعها الا اذا وجد نص قانوني صادر قبل ارتكاب الجريمة والهدف منها ضمانة لحماية حقوق وحريات الافراد وخضوع عقوبة العمل للنفع العام لمبدأ شخصية العقوبة، فهي لا توقع الا على الشخص المذنب الذي ثبت ادانته بارتكاب جريمة معينة، إضافة الى خضوع عقوبة العمل للنفع العام لمبدأ المساواة في العقوبة، وتنفرد عقوبة العمل للنفع العام ببعض الخصائص تميزها عن العقوبات الاخرى، باعتبار أن عقوبة العمل للنفع العام ذات طابع مخفف مقارنة مع العقوبة السالبة للحرية، وهي خضوع المحكوم عليه بعقوبة العمل للنفع العام لفحص شامل ودقيق والتحقق من وضعه العائلي والمعيشي وطبيعة وظروف ارتكابه الجريمة، وهل لديه سوابق من عدمه على أن تتم مراعاة ضرورات الامن والسلامة العامة، وعليه حفظ التوازن بين حقوق المجتمع في الحفاظ على أمنه واستقراره وحقوق المتهم، فلا يضحى بأحدها في سبيل الاخر ولا بد لانجاح تطبيق هذه العقوبة وتحقيق اهدافها وجود مؤسسات يمكن الاعتماد عليها ووجود مختصين اجتماعيين، وذلك لبيان مدى ملائمة عقوبة العمل للنفع العام للمحكوم عليه من عدمه وضرورة موافقة المحكوم عليه لعقوبة العمل للنفع العام.
 حيث تنفرد هذه العقوبة بأنها لا تنفذ الا بموافقة المحكوم عليه، على عكس العقوبات الاخرى. ويمكن القول بأن نظام العمل للنفع العام يتشابه مع العقوبة، كونها تقييد حرية المحكوم عليه عندما يفرض التزامات، تتطلب جهدا ووقتا للقيام بها وكما يهدف العمل للنفع العام الى تحقيق الردع العام، فهو بمثابة تحذير لباقي أفراد المجتمع الذين تراودهم فكرة ارتكاب الجريمة، كما يسعى نظام العمل للنفع العام الى ارضاء شعور المجتمع بالعدالة. فالجريمة عدوان على العدالة كقيمة اجتماعية وعدالة العقوبة في الوقت نفسه تعني ارضاء الشعور العام في المجتمع، بأن من يرتكب جريمة توقع عليه العقوبة المناسبة ومن هذا المنطلق يحقق نظام عقوبة العمل للنفع العام العدالة من خلال التعويض. اذ ان العمل الذي يقدمه المحكوم عليه بصفة مجانية يعتبر كتعويض منه عن الضرر، الذي سببه للمجتمع ويعتبر بمثابة معاملة عقابية من نوع خاص لا تهدف الى ايلام الجاني، وانما يهدف الى تعميق الشعور بالمسؤولية لديه مما يسهم في تأهيله واعادة ادماجه في المجتمع. وان العمل للنفع العام ليس مجرد انجاز عمل او تأدية خدمة وانما هو معاملة عقابية من نوع خاص، عندما يكلف المحكوم عليه بها لا تستوجب سلبا لحرية وتؤدي في الوقت نفسه الى تعميق الشعور بالمسؤولية لديه وتعزيز التضامن الاجتماعي تجاهه، والمساهمة في اندماجه الاجتماعي من جديد. وان العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة منها فشلت في تحقيق اهداف العقاب في الردع والاصلاح والتأهيل، بل العكس اسهمت في نشر الفكر الاجرامي وتتميز عقوبة العمل للنفع العام بالغاية الاجتماعية لما لها من اثار ايجابية على المحكوم عليه. حيث يبقى في بيئته الاجتماعية قريبا من اسرته وعمله ومحيطه مما يضمن استقرار اولاده في دراستهم وتربيتهم ويحفظهم من الضياع والانحراف، الذي قد يتعرضون له لو قضى عقوبته في المؤسسة العقابية، خاصة اذا كان هو المعيل الوحيد لأسرته وتظهر هذه الغاية ايضا في اشراك المجتمع كجهاز في عملية التأهيل للمحكوم عليه. اذ ان هذا الاخير عندما يقدم عملا فانه يقدم عملا فانه يقوم به في احدى مؤسسات المجتمع وتفادي انحراف المحكوم عليه، ويمكن تجنبه اذا قام بأداء عمل للنفع العام بدل دخوله السجن، الذي يكون السبب الرئيس لانحرافه ويمثل تبني عقوبة العمل للنفع العام مرحلة مهمة في تاريخ العقوبة.
 وهذا التبني وان جاء في اطار الاصلاح العقابي الذي عم التشريعات العقابية المعاصرة ونجد من الضروري اضافة العمل للنفع العام للتدابير الواردة في قانون رعاية الاحداث، الذي تزيد اعمارهم عن (16) سنة والعمل على الغاء العقوبات السالبة للحرية في المخالفات وتضمين مشروع قانون العقوبات الجديد المزمع تشريعه عقوبة العمل للنفع العام كبديل للجرائم التي تصل عقوبتها الى ثلاث سنوات وفق ضوابط محددة .