الاشتغال على الوهم

آراء 2021/10/13
...

  محمد شريف أبو ميسم 
الوهم هو اضطراب في التفكير، ولكنه حين يتكرر فانه يشير الى اضطراب عام في الشخصية ويرجح المختصون اصابة الشخص بمرض نفسي في حال تكرار حالات الوهم. 
أما الوهم الجمعي فليس له من مرد مرضي سوى شهية المجتمعات لنشر وتصديق الخرافات، وهذه الشهية التي نسجت القصص والأساطير وأضافت على التاريخ الكثير من الزيف، وظفتها جهات دولية (تحتكر اقتصاد المعرفة وعلوم النانو وتكنولوجيا المعلومات والتقانات الاحيائية) بهدف الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية على هذه المجتمعات عبر أدوات العولمة ومحاورها المختلفة، وفي مقدمتها الأدوات الثقافية بما فيها "السوشيال ميديا"وهي بصدد تدجين ثقافات الشعوب، والصراع مع القوى الدولية الرافضة لسياسة الهيمنة والخضوع لها.
الأمر الذي جعل سبات العقل الجمعي والتعاطي مع الوهم، في المجتمعات التي وقعت تحت هذا التأثير سمة من سمات الأفراد، خصوصا في المجتمعات التي عانت من الدكتاتوريات، ما أفضى الى كسل الارادة وتنشيط فعل القداسة، بوصفهما مخرجات لسبات العقل الذي استقال عن ممارسة نشاط التأمل والتدبر. وباتت الحلول الجاهزة مطلبا له. حتى أصبح الوهم الجمعي أحد أخطر المشكلات التي تتعرض لها المجتمعات وخصوصا منها المجتمعات 
المتخلفة. 
وأضحى الوهم سمة من سمات تدجين العقل بفعل التكرار عبر وسائل الاعلام والسوشيال ميديا، وكانت الفئات المستهدفة بهذا الاشتغال، هي الفئات الشبابية والأجيال الجديدة التي أوهموها بجنة الفردوس الأرضي في حال التمرد على الواقع والموروث واعلان الولاء والتبعية لمخرجات ثقافة العولمة، والتأسيس دوما لفكرة اتهام الأسلاف والآباء معا، بالتخلف والكسل، وتحميلهم مسؤولية ما آلت اليه أحوال بلدانهم، بوصفهم دعاة حروب وتخلف وصنمية، ومن ثم رفض الموروث الثقافي والتخلي عنه مقابل الانخراط مع معطيات ثقافة العولمة والقبول بما تفرزه من مخرجات تستهدف التأسيس لتغييرات ثقافية وديموغرافية ومناطقية على المدى البعيد، طبقا لنظرية العالم الجديد الذي تنطلق فيه الليبرالية بحلتها الجديدة من منطقة الشرق الأوسط بعد أن تصدى لها أنصار {الدولة الكنزية} في أوروبا خشية احلال سلطة رأس المال محل سلطة الدولة وبالتالي الاطاحة بدولة 
الرفاه. 
وبالتالي راح الليبراليون الجدد يبحثون عن مناطق جديدة وبيئات واعدة لنمو الفكر الليبرالي الذي يجيد الاشتغال على الوهم، فوجدوا في منطقة الشرق الأوسط بيئة مناسبة لنمو سلطة المال بما يحقق لأصحاب المشروع الصهيوني حلم الاستيطان في الأرض الواقعة "من الماء الى الماء".