بين الأغلبية والتوافق

آراء 2021/10/19
...

 سعاد حسن الجوهري 
الاحداث المتسارعة ما بعد يوم الانتخابات البنفسجي تدفع بكل حريص على هذه الارض ان ينادي جميع فرقاء وشركاء المشهد: {سواء كانت الحكومة توافقية او اغلبية الرجاء اجمعوا رأيكم وقوموا بتشكيلها على عجالة كون المنعطف حساسا والوضع لا يحتمل}.
ففي وقت كانت فرحتنا غامرة بنجاح الانتخابات التي لم تشهد الأجواء الشعبية والمناطقية المحيطة بها أحداثا أمنية أو عنفا اجتماعيا يذكر، انطلق الماراثون الى المستقبل الذي يستوعب السنوات الاربع المقبلة وانطلقت معها زوبعة التكهنات والنتائج المسبقة عن شكل الكابينة الوليدة. 
هناك من يراها توافقية خلافا لمن يعقد الرأي على انها اغلبية لامحال. في هذه العجالة وبما تسمح السطور وددت ايجاد الفوارق الشاسعة بين التوقعين لفسح المجال الى طاولة الحوارات ولغة الكواليس ان يكون لها الرأي النهائي. 
هناك من يرى أن صيغة التوافق تواجه مشكلات لا تحصى واولها هي توليفها، اذ ليس من السهولة تشكيل كابينة توافقية، لأنها تتطلب توزيع المناصب الوزارية بين اساس المحاصصة. ودائما تبرز صعوبة الاتفاق على الحصص بين الاطراف الفائزة. النقطة الثانية تكمن بالقرار الموحد ما يطرح احتمالية اصابة الحكومة بالشلل التام. ناهيك عن غياب دور المعارضة البرلمانية التي من شأنها تشخيص الايجابيات ومعالجة السلبيات ومراقبة الاداء التنفيذي بنحو صارم ودقيق. لكن في المقابل وازاء طرح نظام التغلبية رب سائل يطرح هذه الاستفهامات المشروعة: {هل فعلا أن حكومة الأغلبية السياسية هي الحل الأمثل لكافة الأزمات التي يمر بها العراق؟ وهل ستساهم بالفعل في وجود حكومة تعمل كفريق عمل واحد وتؤمن ببرنامج واحد وتسعى لتحقيق هدف واحد؟ هل هذه الكابينة ستتحمل مسؤولية أدائها أمام المجلس التشريعي الذي يمثل الشعب وفي مقابل هذه الحكومة ستكون هناك معارضة حقيقية يمكن أن تمارس دورها في انتقاد البرامج والخطط وحتى أهداف الحكومة بل وتذهب الى ابعد من ذلك من خلال تحشيد الاصوات لاستجواب او حتى اقالة اي وزير او مسؤول مقصر او مدان بملف ما؟}. 
لكن هنا وقبل أن يأتينا الجواب يثير البعض اشكالية قد تواجه تطبيق نظام الأغلبية السياسية وهي صعوبة حصول كتلة واحدة على نصف مقاعد مجلس النواب وهي النسبة الكافية التي تمنح الفائز فرصة تشكيل الحكومة، من دون الحاجة الى التنازل إلى كتل أخرى وهذا مستبعد تماما في الوقت الراهن، نظرا لتقارب النتائج التي افرزتها الممارسة الديمقراطية الاخيرة. لكن هذا الجدل لايمكن ان ينسينا حقيقة ان الانتخابات - ورغم كل الملاحظات - امتازت بنجاحات ينبغي ألا يتبعها اي إخفاق سياسي. فما نحتاجه ويحتاجه الوطن اليوم اكتمال ثمار الربيع الانتخابي، ولكي لا يكون الفشل السياسي سببا في نسف النجاح الفني والقانوني الذي تحقق. وسياسيا، لا يمكن تحقيق النجاح سوى بإعادة فتح الحوار الوطني بصورة جادة، والسعي مرة أخرى وأخرى إلى إعادة احتواء الجميع ضمن إطار العملية السياسية، سواء كانوا في معسكر الموالاة او المعارضة القادمين سواء في مركز الاداء التنفيذي او تحت قبة الاداء الرقابي والتشريعي.
الامر بحاجة الى مبادرة وطنية كبرى تحتوي على شركاء وفرقاء المشهد السياسي العراقي وتوزع الادوار بينهم بنحو واضح وصريح وشفاف، وبالتالي الخروج بصيغة عمل سياسي يليق بوطننا العراقي امام الرأي العام العالمي ويتوج محطات مؤلمة توقف عندها العراقيون كثيرا قبل ان يستكملوا مسيرهم نحو الديمقراطية المنشودة.