من يجرؤ على {الصخام»؟

آراء 2019/03/04
...

حمزة مصطفى
 
 
لفت نظري مؤخرا خبر لطيف فحواه أن تجمعا عشائريا إنضم الى تجمع مدني, والهدف هو الإصلاح. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو .. إصلاح ماذا؟ هل هناك خلل يستدعي الإصلاح؟ هل نعاني من عطب ما سواء في المجتمع أم الدولة أم  الحكومة أم  القضاء أم الإعلام يتطلب إصلاحا؟ ولعل سؤالا آخر يتناسل من ذات السؤال وهو من الذي تسبب في المشكلة أو  الخلل أو العطب؟ هل المجتمع بقواه المختلفة سواء كانت قوى عشائرية أم سياسية أم نخب فكرية هي المسؤولة عن المشكلة أو الخلل أو العطب أم قوى خارجية مثل الاستعمار والصهيونية العالمية من وعد بلفور "وحد إيدك", أو أبو ناجي وسياسته في العراق التي قامت على أساس مفهوم "فرق تسد"؟
خلال العقود الماضية وطبقا لمختلف الأيدولوجيات التي ظهرت سواء كانت قومية أم ماركسية, يمينية أم يسارية, فإن منطق الصراع الاجتماعي فيها يقوم على متوالية المدنية التي تعني الحضارة والحداثة والتقدم العلمي والفني بكل أشكاله ومستوياته في مقابل العشيرة التي تعني التخلف والرجعية والخرافة. وأفاض شيخ علماء الإجتماع في العراق الراحل علي الوردي كثيرا في شرح تفاصيل العلاقة المعقدة بين الأفندي من جهة الذي هو كناية عن الموظف أو المثقف أو مجرد من يرتدي الملابس الحديثة (قاط ورباط) مقابل رجل الشارع أو إبن المحلة أو عامة الناس ممن يرتدون الدشداشة أو العقال أو حتى العمامة في حال كانوا من رجال الدين.
وفي الستينيات من القرن الماضي إنتقل الصراع أو الصدام من بعده الشخصي بين إثنين الأفندي ومن يرتدي اللباس العربي أوالريفي الى صراع وصدام  بين ظاهرتين متضادتين أشد التناقض والتضاد, وهما المدنية والعشائرية. ينبغي الانتباه الى أن السبب الرئيس في حصر الصراع بين المدنية والعشائرية فلأن المدينة كانت هي الحاضنة للمدنية بينما القرية أو الريف كان هو الحاضن للعشيرة. وبمعنى أكثر دقة إنتهت أو كادت تنتهي ظاهرة العشيرة أوالعشائرية أن تختفي من مدينة متحضرة مثل بغداد. 
في أثناء ذلك وتحديدا في الستينيات أيضا بدأ العمل بما يسمى ترييف المدينة. بلغ هذا الشغل ذروته في السبعينات حتى صار إرتداء الدشداشة والعقال والعباءة العربية ظاهرة لدى رجال الدولة ومن بينهم رجال الطبقة السياسية آنذاك وفي مقدمتهم صدام حسين. لم يكن أحد يجرؤ آنذاك للحديث عن ظاهرة الترييف أوزج العشيرة في مهام ليست من صلب إختصاصها. لكن إستمر ذلك  تحت كونترول النظام  الشمولي. أي أن الزحف بين الطرفين المدنية والعشيرة خاضعا لإرادة السلطة والحاكم.
بعد التغييرعام 2003 لم يعد الأمر يقتصر على الزحف المتبادل لأغراض المصلحة أو التخادم بل تحول الى نوع عنيف من أنواع التداخل بدأ يؤثر كثيرا في مسارات عمل الدولة وأجهزتها ومؤسساتها. فلقد ضاقت المسافة بين المدني والعشائري بين رجل الدولة وشيخ العشيرة الى الحد الذي لم يعد يعرف أحد حدود التفاهم والاختلاف بين الطرفين. لم نعد نعرف هل المدنية هي التي تبني  الدولة أم العشيرة؟ لا أحد يجرؤ على طرح مثل هذا السؤال. فمن يجرؤ على الصخام؟    
 
لفت نظري مؤخرا خبر لطيف فحواه أن تجمعا عشائريا إنضم الى تجمع مدني, والهدف هو الإصلاح. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو .. إصلاح ماذا؟ هل هناك خلل يستدعي الإصلاح؟ هل نعاني من عطب ما سواء في المجتمع أم الدولة أم  الحكومة أم  القضاء أم الإعلام يتطلب إصلاحا؟