الخاسرون والرابحون

العراق 2021/10/25
...

ابراهيم العبادي
 
مازال الخاسرون في انتخابات يوم العاشر من تشرين الاول، يمارسون ضغوطهم على مفوضية الانتخابات ومن ورائها السلطات ومجمل الطبقة السياسية، مطالبين باعادة الانتخابات في موعدها الاصلي عام2022، فلم يعد العد والفرز اليدوي مطلبا مهما بالنسبة لهم، فهم على يقين بأن نتائج الانتخابات لن تتغير كثيرا، وأن تزكية مجلس الامن الدولي للانتخابات زادت من صعوبات موقف المعترضين، وصار واضحا ان الضغوط التي يمارسونها تستهدف استحصال مايعتقدونه حقهم المشروع بغية تمثيلهم في السلطة تمثيلا (عادلا) يعوضهم عن فقدان الثقل السياسي تحت قبة البرلمان.
ثمة تنافس شرس بين جناحين من الجيل الجديد للاسلام السياسي الشيعي، احدهما يقدر خطورة الاخر على رؤيته ومصالحه ومستقبله ودوره في منظومة السلطات. الخاسرون يرون أن فقدانهم لأصوات كثيرة وخسارتهم غير المتوقعة تمت بفعل فاعل وتدبير مدبر، وان الانتخابات لم تكن مؤمنة (سيبرانيا )، وقد تم اختراق المنظومة الالكترونية وسرقة اصواتهم، لذلك هم يصرون على استحصال (حقوقهم) التي تعني في المطاف الاخير حضورهم في طبقات السلطة استحقاقا يتوافق مع حجم الكتلة العددية لجمهورهم كما يظنون، وهذه هي الديمقراطية الواقعية! بحسب فهمهم.
البحث عن الاسباب الحقيقية لخسارة الخاسرين، وفوز الفائزين ليس مهمة القوى المتصارعة على السلطة، بل مهمة الباحثين والمراقبين للتغييرات العميقة التي تحصل في الاجتماع السياسي الشيعي واجياله الجديدة، فالخسارة الواقعية التي تجلت بوضوح في الانتخابات الاخيرة، كانت في خروج احزاب المشروع الاسلامي الاول، اتباع المدرسة الحزبية، من معادلة السلطة والجمهور، فماعدا استثناءات محدودة جدا، انتهى العمر السياسي لرجالات هذا المشروع، ولم يعد بالامكان احياء رموز وقوى هذه المدرسة، وهي مدرسة معتدلة السلوك والفكر السياسي مقارنة بوريثتها،  لكنها لم تحقق منجزا كبيرا يعتد به في مرحلة مابعد الديكتاتورية.
بانحسار حضور هذه المدرسة في الساحة السياسية منذ عام2018  وصعود التيارات الجديدة الى مستويات المشاركة في صناعة السياسات، ازداد التنافس بين هذه التيارات التي تنتمي الى المدرسة الشعبوية، والتي تفتقر الى التراث التنظيمي والحزبي،  وتباعد المصالح بينها، بسبب اتساع الهوة بين مرجعياتها السياسية وتصوراتها عن ذاتها وادوارها المحلية والخارجية، واثر ذلك في امن وسيادة واقتصاد واستقرار البلاد.
لقد خاضت هذه القوى المتنافسة معركة السيطرة على الشارع،  فابتدأت باخراج القوى الاسلامية التقليدية من ساحة المنافسة، ثم عملت على تكريس خطابها واولوياتها استقطابا للجمهور وبغية استحصال مشروعية سياسية تتيح لها توجيه دفة السلطات بما يتوافق مع شعاراتها، وبينما رفع احد اجنحة هذه المدرسة شعار الوطنية والسيادة والاصلاح والخدمات، وهي الشعارات التي تلامس نبض الجمهور، جاء الشعار الموازي مُركِزا على اولوية المحافظة على مؤسسة الحشد والمعركة مع الاعداء الداخليين والخارجيين، وهذا الشعار لم يعن الجمهور العام كثيرا، فلم يكن هناك تهديد داخلي جدي بحل الحشد، ولم تكن ترجمة شعار السيطرة على السلاح المنفلت تعني الحشد تحديدا، او على الاقل هذا مافهمه الجمهور، ولذلك ذهبت شعارات هذا التيار في الاتجاه غير المؤثر.