هل تنجح طالبان في اخماد خطر {داعش}؟

آراء 2021/10/26
...

 سامية كلاب   
 ترجمة وإعداد: أنيس الصفار 
                  بعد وصول حركة طالبان الى سدة السلطة في أفغانستان أخذ عدو جديد بالبروز، فالجماعة التي تسمي نفسها {الدولة الاسلامية} أو {داعش}، تهدد اليوم بأن تستهل مرحلة أخرى من العنف، الاختلاف الجديد الان هو ان جبهة التمرد القديمة، أي طالبان، غدت هي الدولة بعد رحيل القوات الأميركية والحكومة الافغانية الحليفة لها.           
خلال محادثات السلام بجولاتها المتعاقبة تعهدت طالبان للولايات المتحدة بأن تبقي جماعة {داعش} المتطرفة تحت السيطرة، وبموجب اتفاق العام 2020 بين الطرفين المذكورين تكفلت الحركة بأنها لن تسمح بتحول أفغانستان الى مأوى وملاذ للجماعات الارهابية التي تهدد الولايات المتحدة وحلفاءها، لكن من غير الواضح إن كانت طالبان ستتمكن من تنفيذ وعدها ازاء هذا التصاعد المفاجئ في هجمات {داعش} منذ استيلاء طالبان على السلطة في 15 آب الماضي وتكرر الهجمات وعمليات التفجير في كابول والمدن والمناطق الافغانية الاخرى، وحتى على مقاتلي طالبان أنفسهم، ويعتقد أندرو ماينز، الباحث في برنامج التطرف بجامعة {جورج واشنطن}، أن المتطرفين سوف يتحولون الى استهداف الدولة الان بعد رحيل الوجود الاجنبي، والدولة هي طالبان.
 
خصومة طويلة
حركة طالبان وتنظيم {داعش} كلتاهما تحكمهما تفسيراتهما المتطرفة للشريعة الاسلامية، بيد أن ثمة اختلافات فكرية اساسية هي التي تذكي العداء بينهما، فطالبان تعلن أنها راغبة في تأسيس جمهورية اسلامية في أفغانستان وضمن حدودها، أما "داعش" فتصر على أنها هي  من دون سواها، اي "الدولة الاسلامية"، من يمثل الخلافة في العالم وعلى المسلمين جميعاً أن ينصروها ويعززوها، "داعش" تزدري تطلعات طالبان القومية ولا تقر لها بأنها حركة اسلامية سويّة، هذه الأسباب نفسها أبقت "داعش" عدواً لدوداً لتنظيم القاعدة.
طالبان و"داعش" كلتاهما تنتهجان صيغاً قاسية من الشريعة الاسلامية وتستخدمان تكتيكات التفجيرات الانتحارية، بيد أن {داعش} مارست نظاماً للعقوبات اكثر وحشية وشراسة يوم كانت تسيطر على مناطق في سوريا والعراق مقارنة بطالبان.
ظهرت {داعش} في أفغانستان في العام 2015 إبان عز قوتها في سوريا والعراق تحت اسم {الدولة الاسلامية في محافظة خراسان}، وقد اكتسبت في البداية بعض الدعم من جانب الحركات السلفية الصغيرة في محافظتي كونار ونانغارهار التي كانت طالبان قد همشتها، ولكن اساليب {داعش}الوحشية جعلت الشيوخ السلفيين يجهرون بمعارضتهم لهم، وفي السنوات التالية منيت {داعش} بهزائم عسكرية قاصمة على يد طالبان والطيران الأميركي ولم تعد للنهوض إلا خلال السنة الماضية.
طالبان من جانبها تهون من قدرات {داعش}ووزنها وتعتبرها مجرد جماعة هامشية لا جمهور لها.
 
لعبة الختام
رغم هذا لا سبيل لإنكار خطر "داعش" ففي كابول وقع انفجاران فتاكان، كان احدهما خارج المطار إبان ذروة عمليات الاخلاء تمهيداً لخروج القوات الأميركية، هذا الانفجار أسفر عن مقتل 169 أفغانياً و13 عنصرا من القوات الأميركية. كذلك هناك تصاعد في الهجمات الأضيق نطاقاً، ولكن شدة تلك الهجمات وسعتها اصابتا طالبان بالذهول، كما يقول الخبراء.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل امتلاك {داعش} قدرة السيطرة على المناطق من جديد وسوف يكون هدفها الأول هو زعزعة استقرار طالبان وتهشيم صورتها كحافظة للأمن، أما الان فإن ستراتيجيتها تركز على البطء والمنهجية، وهي تحاول حالياً كسب ود القبائل والجماعات الاخرى وضمها الى صفوفها وفي الوقت نفسه القضاء على المعارضة بين السلفيين المعتدلين وتنفيذ عمليات كسر السجون والاغتيالات ومهاجمة عناصر طالبان، وعندما يجتمع ذلك كله الى بعضه يتشكل نمط من التمرد لم تعدّ طالبان نفسها للتعامل معه، كما يقول ماينز.
بيد ان {بيل روغيو}، من مجلة {لونغ وور جورنال}، لديه تصور مختلف، فهو يعتقد ان لدى طالبان القدرة على اجتثاث {داعش}بمفردها من دون تلقي مساعدة من الطيران الأميركي الذي أوشك على محق {داعش}بضرباته.
يقول روغيو ان طالبان قد اثبتت قدرتها على اجتثاث بعض خلايا {داعش} مستعينة بشبكاتها المحلية الواسعة لجمع المعلومات، كما ينبه أن {داعش} لا تمتلك ملاذات آمنة في باكستان او إيران، كما كان حال طالبان ايام تمردها.
قد يختار المتشددون من اعضاء حركة طالبان الانضمام الى {داعش} إذا ما رؤوا ان قيادة طالبان، التي تحتل الان موقع السلطة، اخذت تميل نحو التسوية في الداخل او الخارج، لقد وعدت طالبان بتشكيل حكومة تحتوي الجميع، ولو أن الادارة المؤقتة التي عينوها مكونة بالكامل من اعضاء طالبان.
كلما ابدت طالبان مزيداً من الانفتاح على العالم سوف يتعارض الأمر مع صورة مقاتل المقاومة المجاهد، يقول ماينز ان طالبان سوف تفقد هذه الصورة التي تمثل هويتها 
الاساسية. 
 
معاملة الأقليات
مع تحول طالبان من حركة تمرد الى إدارة حكومية سيكون احد اهم الاختبارات لها هو ما اذا كانت ستتحرك لحماية جماعات الأقلية التي كان مقاتلوها أنفسهم يذيقونها الويلات ذات يوم، مثل أقلية الهزارة الشيعية، فعلى مدى تاريخ أفغانستان عانت هذه الأقلية من حملات اضطهاد وتهجير عديدة، وعندما صعدت حركة طالبان الى موقع السلطة لأول مرة في أعوام التسعينيات مارست بحق هذه الأقلية المجازر.
{داعش} هي الأخرى استهدفت طائفة الهزارة لمجرد أن معظم ابنائها مسلمون شيعة، فقتلت المئات منهم بهجمات بشعة استهدفت اماكن عبادتهم وأطلقت على أفعالها وصف {الحرب على المارقين}، وقد جاءت الهجمات الأخيرة على مساجد الهزارة في مدينتي قندهار وقندوز لتضع بين يدي طالبان فرصة لإثبات صورتها الجديدة كسلطة دولة.
 
صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن وكالة اسوشيتد بريس