د. فلاح العامري*
إن حصول نقص مفاجئ في المعروض العالمي من مصادر الطاقة من جهة وزيادة الطلب عليها من جهة اخرى، يعود لتأثيرات عوامل عدة، سياسية وبيئية واقتصادية ومالية وردود فعل لاسواق الطاقة العالمية. حيث ظهرت مؤشرات سلبية ادت الى حدوث انخفاض في نمو انتاج مصادر الاحفورية في حين لن تقابلها زيادة مماثلة في نمو مصادر الطاقة المتجددة رغم كثافة الاستثمارات. وهذه الحالة أسهمت في حدوث صدمات في الاسعار . وادى ذلك الى حصول نقص بالامدادات في الطاقة وارتفاع الاسعار.
حيث إن الاجراءات السريعة التي تم اتخاذها للتحول في مصادر الطاقة، أدى الى حصول ضعف في المرونة والمناورة في المرحلة الانتقالية من الطاقة الاحفورية إلى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، حيث إن تقليص الاعتماد على الفحم الحجري في توليد الكهرباء في بعض الدول كالمانيا والصين على سبيل المثال لأسباب بيئية ادى الى حصول خلل في التوازن في توفير مصادر الطاقة لتلبية الطلب.
إن حصول نقص في احتياطات الغاز في أوروبا كان السبب المباشر في حصول خلل في توازن العرض والطلب في الطاقة بشكل عام والغاز بشكل خاص. فقد ارتفعت أسعار الغاز في آسيا بنسبة
175 %، وساهم ذلك في توقف معامل عديدة في الصين أو اضطرارها إلى رفع أسعارها، وبالتأكيد سوف ينعكس ذلك على أسعار المنتجات والبضائع عالميا. وفي الوقت نفسه أن انخفاض درجات الحرارة في الصين اثار المخاوف من امكانيتها في تلبية احتياجات التدفئة المحلية في الشتاء.
كذلك ادى فصل الشتاء في بداية عام 2021 والتغيير آتٍ المناخية وحدوث الأعاصير في سواحل الولايات المتحدة الاميركية، الى تعطيل انتاج النفط الخام في الحقول البحرية ولم يتعافَ الإنتاج تمامًا من الأضرار التي سببتها تلك الأعاصير.
وتزامن ذلك مع ارتفاع الطلب على النفط والفحم والغاز الطبيعي في جميع أنحاء العالم في الأسابيع الأخيرة.. حيث بدأ الطقس البارد بالفعل في الصين. مع توقع درجات حرارة منخفضة جدا في فصل الشتاء مصحوب باعاصير مدمرة خلال شتاء 2021 في النصف الشمالي من الكرة الارضية، وهذا سوف يؤدي الى زيادة في استخدام الغاز. ومن المرجح أن تظل أسعار النفط والفحم والغاز الطبيعي مرتفعة حتى نهاية فصل الشتاء في نهاية اذار
2022.
وقد تزامنت هذه الظروف مع الانتعاش النسبي في اقتصاديات بعض دول العالم نتيجة تخفيف الاجراءات الخاصة بجائحة كورونا.
اما في ما يتعلق بالنفط، فان المشكلة القائمة حاليا هو ارتفاع الطلب على النفط ولكن لم تصاحبه زيادة مماثلة في الانتاج النفطي وادى ذلك الى ارتفاع اسعار النفط. حيث لم تقم منظمة اوبك وشركاؤها بزيادة انتاج النفط تلبي الطلب العالمي ولكبح ارتفاع الأسعار. كذلك صاحب ذلك نمو بطيء في عودة إنتاج النفط الاميركي، خاصة النفط الصخري بكميات تسهم في سد النقص في المعروض النفطي العالمي، خاصة انها حققت الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتقوم حاليا بتصدير نحو 3 ملايين برميل يوميا معظمها الى الاسواق الاسيوية، وتحتاج الى فترة اطول للعودة الى انتاج ما قبل ازمة اذار عام 2020.
إن أزمة الطاقة الحالية وارتفاع أسعار مصادر الوقود الاحفوري زادت من المخاوف أزمة الطاقة، التي ادت الى ارتفاع الأسعار المضرة بالنمو الاقتصادي العالمي. حيث هناك مؤشرات في انخفاض معدل النمو إلى مستويات متدنية. وسط هذه الاجواء فانه من الصعب التنبوء بمستويات ومستقبل اسعار النفط رغم أن الموشرات الحالية تدعم استمرار ارتفاع الاسعار على الاقل لغاية نهاية الربع الاول من العام المقبل. ولكن تبقى سوق الطاقة بشكل عام والنفط والغاز مليئا بالمفاجآت لتاثرها بعدة عوامل وتتعرض لعدة ازمات وصدامات في اسواق الطاقة وأسعارها.
وفي هذا الصدد فعلى المعنيين في العراق أن يدرسوا التجربة التي تمر بها أسواق الطاقة ويستفيدوا منها في تحقيق أمن الطاقة والامن المالي والتكامل الاقتصادي من خلال تقليص الاعتماد على الايرادات النفطية والاستفادة القصوى منها وتخصيص جزء منها للاستثمار المستدام واعادة البنى التحتية وزيادة التنوع الاقتصادي، وفي مصادر الطاقة وزيادة استخدام النفط في الداخل خاصة في المصافي ومشاريع البتروكيمياويات الحديثة.
*مستشار في اقتصاديات الطاقة