من هو الفيلسوف؟

آراء 2021/10/30
...

 
علي المرهج
 
سأل سائل فيثاغوراس: ما صنعتك؟ قال الفلسفة وإني فيلسوف...فقال السائل: وما هذا؟ فأجاب فيثاغوراس: إنه «حب الحكمة» وإني مُحب للحكمة...فقال السائل: وهل من أحد لا يُحب الحكمة؟ فقال فيثاغوراس: أجل خلقُ كثير يُتاجرون بها ويتكسبون ويُحبون منها الفوائد والعائدات...لكن الفيلسوف يُحب الحكمة حُباً «أولمبياً» بتعبير (مدني صالح) بريء من التطلع إلى النفع الذي ينشده اللاعبون والمراهنون أولئك الذين يحضرون لأغراض التجارة.
الأولمبي، نسبة لآلهة جبل أولمبيوس وهو أعلى جبل في اليونان، نُسبت إليه أغلب آلهة اليونان في الحب والحكمة والحرب والزراعة والنار...إلخ.
واجب الفيلسوف في الدولة التسديد في التوجيه وواجب الدولة منحه الحُرية، بحسب رأي، عبدالرحمن بدوي في كتابه «نيتشه»
إذا كان واجب الفيلسوف نحو الدولة هو توجيه رؤيتها السياسية، لتخليصها من تدخل الهواة في السياسة (من الذين يزجون بأنفسهم بمُعتركها بصفة مُحللين)، فواجب الدولة أن تدعه وشأنه، فلا تحفل بأي أمر من أموره. ففي اهتمامها بالفلسفة خطر عليها، ما بعده خطر. وما يُسمونه «حماية الدولة» للفلسفة هو في الواقع حُكم على الفلسفة بالاعدام: لأن الفيلسوف سيكون حينئذ عبداً من عبيد الدولة (الدولة هنا بمعنى السلطة) يأتمر بأمرها، ويُفكر لحسابها وعلى النحو الذي تهواه، فيجعل الدول فوق الحق، أي يقضي على كل فلسفة. كما أن الدولة مصدر ثبات، وابغض شيء لديها التغير والصيرورة، أي أنها ستكون خصماً لطبيعة الفلسفة نفسها وجوهرها الحقيقي، وهو الخلق المُستمر والجدَة الدائمة في النظر إلى الوجود، إن كانت فلسفة حيَة حقاً...وكل فلسفة تُحمى من الدولة إنما هي الفلسفة الوضيعة كي تُمكنها الدولة من القضاء على الفلسفة المُمتازة، لهذا يقول نيتشه:» إن الفيلسوف الذي يرضى لنفسه أن يكون فيلسوف الدولة يجب أن يرضى لنفسه أيضاً أن يُنظر إليه باعتبار أنه أنكر على نفسه حق البحث عن الحقيقة كُلها بكل ما تحتوي عليه من أسرار». كما أن الدولة إذا جعلت لنفسها فلسفة رسمية، فسيكون لها وحدها الحق في اختيارها، أي أن الدولة ستضع نفسها موضع الحاكم الذي يستطيع أن يُميز بين الفلسفة الجيدة والفلسفة الرديئة.
الفلاسفة، كما يؤكد عبدالرحمن بدوي في كتابه (شوبنهور)، صنفان: صنفٌ يحيا «من أجل الفلسفة»، وصنفٌ يحيا «من» الفلسفة. الأول قد اتخذ الفلسفة غاية وكرَس نفسه من أجل تحقيق هذه الغاية، والآخر عدّها وسيلة من وسائل الرزق، لا تفترق في شيء عن أية وسيلة أخرى من وسائل العيش، ولا شيء أضر على الفلسفة من هذا النوع الأخير، والشر الأعظم لمثل هذا النوع الأخير يكمن في أنه يُحيل الغايات إلى وسائل، والغايات تُطلب لذاتها، أما الوسائل فتُطلب لما تؤدي إليه..
هناك أساتذة فلسفة في الجامعات العربية والعراقية ممن يعتقدون أنهم خرقوا نُظم المعرفة التقليدية، فأوهموا أنفسهم بأنهم مُفكرون بلا فكر، وعُلماء بلا علم، فبعض منهم يجتر كما نحن نجتر مقولات الأسلاف من المفكرين والفلاسفة والعلماء، وآخر يجتر مقولات مفكري الغرب وفلاسفته وعُلمائه، فظن بعضهم أنه فاربيُ زمانه أو غزاليُ التفلسف، ولربما اعتقد أنه ابن رشد العالم والفيلسوف والفقيه، أو ابن عربي، بوحدة الوجود، حيث لا وجود له إلا مع نفسه ومع زملائه أو طُلَابه، فهو موهوم لا يُدرك أنه دارس للفكر لا إبداع عنده، ولم يكن سوى مُتقن لتلقف التعريف من كتب المعاجم، ولا قُدرة له سوى الإكثار من الهوامش التفسيرية. 
فتأليف كتاب عن رؤى الفلاسفة  لا يجعل الكاتب مفكراً أو فيلسوفاً، مثلما الكتابة عن علوم بعض المسلمين من العُلماء، لا يعني ذلك أن هذا الكاتب صار عالما.