تفجير مدينة الكرادة الكبير والذاكرة العراقيَّة

آراء 2021/11/01
...

  رزاق عداي
 
عندما أفتى أحدهم في مسألة التفجيرات الانتحارية وجوازها الشرعي، لم يكن يعلم بمدى ارتداداتها المابعدية في تكريس الارهاب بأبشع أشكاله، والتي اقضت مضاجع الغرب لاحقاً، لان منفذيها لا يقاتلون بسلاح سوى بموتهم، ولذلك لم يتركوا للمقابل اية وسيلة ردع كافية 
لايقافهم.
والمقابل هنا الخصم الذي كان يراد به الغرب في مقابله له مفتعلة مع الاسلام، كان المسوغ الذي جعله المفتي هذا غطاءً شرعيا لهذا السلوك الارهابي، حسب قناعته في الافتاء هو عدم التكافؤ في ميزان القوة بين معسكرين 
متعاديين. 
احدهما قطع اشواطاً في التقدم التكنولوجي، فحصل على تميز ووفرة في القوة، والثاني ظل متخلفاً ضعيف المكنة في كل شيء،  فصار الاخير مجبراً على ابتكار اي وسيلة حتى وان كانت تفجير الذات وافنائها، اعتقد ان الذاكرة العراقية ما زالت حية بخصوص حادثة الكرادة، وحجم الاهتزاز المعنوي الهائل الذي تعرض له المجتمع العراقي، وربما شاركه في هذا الشعور حتى المعسكر الاخر الذي اصطعنه رجل الدين المشرع، ليس لان العراقيين لم يواجهوا ارهاباً سابقاً او احداثاً عنفية بالغة القسوة، ولكن الذي جعله حدثاً استثنائياً ومهولا هو الافراط في استخدام قوة الفعل التفجيري، في منطقة في بغداد تتمتع بمسحة حضرية مدينية تتفارق عن غيرها من مدن بغداد، فأراد المنفذ بعد المخطط ان يوقع الاذى باكبر قدر في طرف اخر لا يمثل 
معسكراً معادياً مثلما اراد مطلق الفتوى المبررة لظاهرة الارهاب، فلقد كان الجسم الذي استهدفه الفعل التفجيري في الكرادة خارج المعادلة الصراعية التي يبررها الارهاب، وكانت بيئته المدينية سادرة في انشغالاتها الحياتية في وتيرة خالية من 
العدواة.
فاذا كان مجتمع الكرادة يقع خارج معادلة الصراع والجهاد الذي افترضه رجل الدين، فما الذنب الذي اقترفه هذا المجتمع، ليسحب عنوة ليكون طرفاً اخر معادياً وبالقوة
المفرطة؟ 
أعتقد أن حادثة الكرادة بكل تداعياتها وتفاصيلها هي أبعد من مديات الارهاب بتوصيفاته المتعددة وحتى اكثر منه تعقيداً، وربما اسمح لنفسي أن أسميه (ميتا ارهاب) وقد تفوق على حادثة مركز التجارة في أميركا قبل عقدين من الزمان من حيث طبيعة
الدوافع والعلل التي تقف خلفه، لان الذين نفذوا تفجيرات 11ايلول 2001 في مركز التجارة العالمي في نيويورك، كانوا قد خططوا مليا بأن ضربتهم ستكون في قلب خصم معادٍ مقابل مؤثث بالتكنولوجيا المتقدمة، فقرروا اصابته في المركز لايقاع اكبر 
الاذى به.
اما المجرم (غزوان الزوبعي) المسؤول عن التخطيط لانفجار الكرادة لم يحسن اختيار العدو الذي يريد ايلامه، فذهب الى ابناء جلدته المسالمين وصنع منهم محرقة ليقنع البعض بان رسالة متعالية مقدسة جعلته يهتدي الى هذا الطريق.
أرى قبل انزال العقاب بهذا المجرم الكبير ان يجري مثلما هو جاري في البلدان الاخرى التي تشعر بالمسؤولية ازاء شعوبها، ان تؤخذ هذه العينة البشعة من الاجرام الكبير ليكون موضع دراسة وتفحص بغية استخلاص نتائج من شأنها أن تكون دوافع ومحرضات لتغير قواعد التفكير اولا، قبل ان يلتف حبل المشنقة على رقبة
 المجرم.