ثقافة التنوع

آراء 2021/11/06
...

 بشير خزعل 
 
بعد الثورة المعلوماتية في نظام الاتصال والتواصل الاجتماعي، خرجت ثقافات كثيرة من قوالبها المحلية وتغيرت ملامح البعض منها، ولم يبق الصراع بين الأصالة والحداثة بذاك المستوى الذي يشغل بال المجتمعات، بقدر الاهتمام في حدود عدم تخطي القيم الانسانية النبيلة، اشكل البعض على العولمة انها حملت الى بعض المجتمعات مبادئ وقوانين وتكنولوجيا اقتحمت حواجز الثقافات المحلية وادت الى تفشي الانحلال المجتمعي وبزوغ ظواهر وتقاليد جديدة لم تعهدها مجتمعات كانت منغلقة نوعا ما وخصوصا بعض المجتمعات العربية التي طغى على الكثير منها الجانب الديني والالتزام بتعاليم تؤكد سمة الالتزام بالاخلاق والانسانية وحرية الاختيار في بعض جوانب الحياة، كما اشكل الكثيرون على العولمة انها حملت معها تناقضا واضحا، ففي الوقت الذي تسعى فيه الى فرض ثقافة واحدة على العالم متمثلة بثقافة العصر الغربي، نجدها من ناحية ثانية تشجع وتعترف بالثقافات الاثنية المحلية، وادى هذا الارتباك الى ولادة ثقافات هجينة اثرت في مجتمعات كثيرة وتوسعت فيها، لكن الثقافات ذات الامتداد الثقافي لم تتأثر بتلك التغييرات بشكل ملحوظ،  في ديباجة الميثاق التأسيسي لليونسكو تنص احدى الفقرات على  ان «كرامة الإنسان تقتضي نشر الثقافة وتنشئة الناس جميعاً على مبادئ العدالة والحرية والسلام، وهذا العمل بالنسبة لجميع الأمم يُعدّ واجباً مقدساً ينبغي القيام به في روح من التعاون المتبادل»، ولو خضنا في جوهر هذه الفقرة نجد انها لا تختلف مع ثقافات غربية وعربية كثيرة، وفي بلد مثل العراق فان للتنوع الثقافي دورا كبيرا ومهما في البقاء على الاستقرار الاجتماعي متماسكا وبعيدا عن الهشاشة ما لم تخرب اركانه بعض الافكار التي تحاول التشديد على حريات الآخرين: حرية التعبير والدين والاختيار وممارسة الانشطة والهويات تحت خيمة الهوية الوطنية لا تضر اي طرف ما لم يكن هناك فرض لسلوك على حساب آخر لدواعٍ واسباب فردية او بسبب افكار متشددة لاعلاقة لها بحرية الانسان مالم تكن خارجة عن آداب الحياء العام الذي يشكل احد اساسيات مختلف الطوائف في جميع القوميات العراقية، وينبغي أن ينظر للثقافة بوصفها مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي يتصف بها مجتمع أو مجموعة اجتماعية تشمل إلى جانب الفنون والآداب طرائق الحياة، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات، وأساليب العيش معاً واحترام تنوع الثقافات، والتسامح، والحوار، والتعاون، وهذه الاساسيات هي خير ضمان لتحقيق السلام والأمن في دولة مثل العراق، ولا خيار بديلا بتشدد طرف ما على حساب آخر.