وقفة تأمل

آراء 2021/11/06
...

   حسين الصدر
 
- 1 -
اذا كان العقلاء يمتنعون أنْ يوقعوا (صكوكاً) بيضاء، فاننا لا نستطيع أنْ نتعامل مع كثير من النصوص والحكايات الواردة في كتب الأدب والتاريخ على أنها حكايات حقيقية، وإنْ صيغت بأساليب تُوحي 
بوقوعها. 
 
 - 2 -
إنّ الكثير منها ربما اختُرعَت مِنْ أجل تلميع صور بعض الطغاة واظهارهم على غير ما هم فيه من جبروت وطغيان.
ثم انّ ندماء اولئك الحُكّام الطغاة هم أكثر الناس تحاشيا لإزعاجهم وخدش مشاعرهم، لا بل هم ممن لا يملون ولا يكلون من الثناء عليهم بأروع ألوان الثناء فكيف نراهم في هذه النصوص وقد غيّروا منهجهم واختاروا مواجهة الحكام بما يكرهون؟
جاء في بعض المصادر الأدبية:
انّ رجلا حضر بين يديْ أحد الملوك فأغلظ له الملك في الكلام، وتوعّده وتهدّده،
فقال له الرجل:
انما أنتَ كالسماء اذا أبرقتْ وأرعدتْ فقد قَرُبَ خيرُها ونَزَلَ قَطْرُها.
فسكن غضب الملك وأحسن اليه لِحُسنِ كَلامِهِ. 
والسؤال الآن:
هل كان الملوك يسمحون لمن غضبوا عليه أنْ يتكلم بما يشاء في محضرهم؟
فكيف انطلق لسانُ هذا الانسان المستضعف المغضوب عليه من قبل السلطان بهذا البيان المنمق من دون استئذان؟
ولا ندري لماذا لم يُذْكَر اسمُ هذا البليغ صاحب الكلام المؤثر؟
كما لا ندري من هو السلطان الذي تحوّل بسرعة فائقة من سلطان متوعد متهدد الى رجل حليم رحيم؟
اننا نرجح ان تكون هذه الحكايات مَوْضُوعة مِنْ قِبلَ بعض الأدباء الذين كانوا ينادمون الملوك، ويُوردون من الحكايات والقصص ما يعظّمون به شأن الملوك.
 ونظير ذلك القصة المشهورة التي تم تداولها بشكل كبير في كتب الادب والتاريخ عن المرأة التي دخلت على الرشيد في مجلسه العام فقالت له:
"أتمَّ الله أَمْرَكَ،
وفرّحك بما آتاك،
وزادَكَ رفعةً، 
وجَعَلكَ مِنَ القاسطين"
فقال بعض الحاضرين:
انها اشارت بقولها (أتم الله أمرك الى قول الشاعر:
اذا تَمَّ أمرٌ بدا نقصُه 
توّقَعْ زوالاً اذا قِيلَ تَمْ 
وأشارت بقولها:
"وفرّحك بما آتاك الى قوله تعالى {حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مُبلِسون} 
الانعام /44 
وأشارت بقولها:
(وزادك رفعةً)
الى قول الشاعر:
ما طار طيرٌ وارتفعْ 
الاّ كما طار وَقَعْ 
وأشارت بقولها :
وجعلك من القاسطين الى قوله تعالى:
(وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) 
الجن /15
فتعجب الناس من قوة ذكائه، وحسن استنباطه، وسأل الرشيد المرأة عن حاجتها فقضاها لها.
انّ تفسير قول المرأة للرشيد بما فيه من صواعق مُحْرِقَة لا يعقل أنْ يُقدم عليه أحد الجالسين في مجلس الرشيد ممن يتوخون رضاه ويتجنون سخطه وغضبه 
هذا أولاً 
ثم ان الخبر لا يسمّي هذا المرأة التي أُوتِيَتْ من الثقافة القرآنية واللغوية والأدبية ما أبهر العقول؟
وأخيراً:
فان القصة تؤكد انّ الرشيد أكرمَ المرأة وقضى لها حاجتها، وبهذا ينكشف الغرض الذي من أجله حيكت هذه القصة.
ومثل هذه الحكايات والقصص كمٌّ هائل مما لا نستطيع الوثوق بصحته، ونرجح إلحاقه بالموضوعات.