دبلوماسيَّة المسار الثاني وحل الأزمات

آراء 2021/11/08
...

  محمد كريم الخاقاني  
يعد مفهوم دبلوماسية المسار الثاني من المفاهيم الحديثة في مجال العلاقات الدولية، إذ يقصد بها التفاعلات غير الرسمية بين جماعات معينة لها أجندات قد تكون متنازعة مع بعضها، تسعى لتحقيق تأثير معين على الرأي العام
 وعلى الرغم من شيوع اللجوء الى دبلوماسية المسار الأول وهو الأكثر تداولاً واتساعاً في الوسائل الإعلامية كونه يمثل التفاعلات الرسمية بين حكومات الدول وبصورة علنية والتي غالباً ما يتم التعبير عنها بتصريحات لقادة ومسؤولي الدول، فإن الحديث عن دبلوماسية المسار الثاني التي برزت بشكل جلي وبارز كمنهج دبلوماسي جديد بتفاعلات غير رسمية وغير حكومية لتفادي الحرج الذي قد تقع فيه الحكومات عندما يتعلق بإجراء محادثات مباشرة وبشكل علني تفادياً لنقمة الرأي العام داخل بلدانها وذلك عندما يتعلق الأمر بتشابك وحساسية بعض المواضيع، او بسبب حدث تأريخي قديم يصعب معه التعامل علانية بين الدولتين؛ لذا ظهرت دبلوماسية تفاعل الجهات غير الرسمية كالأحزاب والقوى السياسية لتكون نواة محادثات غير مباشرة للحكومات المتضادة في مواقفها العلنية الرسمية، ومن الطبيعي ان لا تكون للدبلوماسية غير الرسمية الوزن التأثيري نفسه للمحادثات المباشرة التي تتمثل بالدبلوماسية الرسمية الصادرة عن الدولة بممثليها المتحدثين بتوجهاتها وواضعي أسس سياساتها الخارجية تجاه غيرها من الدول، ولكنها مع هذا، فإن دبلوماسية المسار الثاني تعطي فرصة للمساهمين فيها من الشخصيات المؤثرة ودوراً في حل المشكلات العالقة وكسر جمود الحركة الدبلوماسية لتكون أساس بناء الثقة بين الطرفين والخروج بنتائج مبتكرة تسهم بشكل كبير في التفكير بحلول منطقية وتقرب المسافات بينهما، وهو ما يفسر انخراط شخصيات كرجال الاعمال واصحاب المصالح المشتركة والرياضيين في تقريب وجهات النظر بين الدولتين لتكون منطلقا لمحادثات رسمية مباشرة، وهناك امثلة كثيرة عن تأثير دبلوماسية المسار الثاني في تقريب وجهات النظر المختلفة بين الأطراف المتنازعة كما في أنموذج دبلوماسية (البنغ - بونغ) التي كانت بداية عودة العلاقات الأميركية الصينية، إذ تبارى اللاعبون الاميركيون والصينيون في ما بينهم، وتلتها زيارة تاريخية للرئيس الاميركي نيكسون للصين، وكذلك في لقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ اون في
عام 2017.
ويرجع الفضل في زيادة تأثير دبلوماسية المسار الثاني الى محدودية دور المسار الرسمي في إدارة النزاعات الدولية، إذ تتم ممارسة الدبلوماسية غير الرسمية بغطاء جهات مختلفة لها دور كبير في تقريب وجهات النظر وإيجاد منافذ حقيقية للحل وصولاً للتمهيد لبدء محادثات رسمية بين الدول، وتعتمد بشكل اساس المشاورات عبر الجمع بين مجموعة من الفصائل التي تشارك بصفة غير رسمية، أي بصفتها الشخصية في محاولة منها للحل وعقد الاجتماعات بينها بحضور وسائل الإعلام للتأثير على الرأي العام وتحقيق التفاعل في ما بين الحضور، وهو ما يعزز من فعالية دبلوماسية المسار عبر إشراك منظمات وجمعيات المجتمع المدني في تلك المحادثات والمشاورات، وبذلك هي تسعى الى تسهيل عملية الاتصال وبناء الثقة بين المجتمعات. 
ويمكن ملاحظة اللجوء لدبلوماسية المسار الثاني في الآونة الأخيرة بموضوعات البيئة وتغير المناخ والقضايا ذات الاهتمام بالأمن الإنساني العالمي كما حدث في الهجرة الجماعية، إذ استدعى ذلك القيام بأدوار متزايدة للجهات غير الرسمية كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المؤثرة  وغيرها للمساهمة في حل الكثير من القضايا العالقة.