أطروحة قبول التنوع

آراء 2021/11/08
...

  أ.د عامر حسن فياض 
وردت عدة تعاريف لمفردة التنوع، إذ تم تعريفه كصفة من صفات الخصائص البشرية، وهذا التنوع يشتمل على التباين في عدة عوامل كالعمر والنوع والحالة الاجتماعية، والعوامل الثقافية كالعرق والجنس واللغة والديانة، وهذا التنوع لا ينحصر في قومية ولا يختص بطائفة معينة، وإنما يشمل الاختلافات الفردية التي تميز كل شخص عن الآخر، كذلك يشمل كل الاختلافات المجتمعية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا.
 التنوع أما طبيعي او مكتسب؛ فالاول يأتي مع الولادة ويشتمل على مجموعة من الصفات الانسانية ومن ثم الموجودة في الفرد، وبذلك لا يمكن التحكم بـمثل هذه الصفات البيولوجية كالنوع والعرق أو تغييرها، وبعض الصفات الجسدية، أما الآخر المكتسب فيشير الى مجموعة من الصفات والعوامل المتغيرة القابلة للتكييف والتعديل، اي يمكن التحكم بها وفق ارادة الفرد، فيكتسبها او يتخلى عنها، كالمعتقد السياسي او الثقافي. كما أن مفهومي التنوع والاختلاف هما مرادفات للتعدد والتنوع تحمل معاني متشابهة في كل مظاهر الحياة؛ ولذلك فالحديث عن التنوع يقترب كثيرا من الحديث عن التعددية إن لم تكن هذه المفردة هي بعينها من مرادفات التعددية، لذا يصح القول لمجموعة معينة انها متعددة فالتنوع يرادف التعدد وكلاهما يرادف الاختلاف، فالتعددية كما جاء في معجم المعاني الجامع هي اسم منسوب الى تعدد وعد. اصطلاحا عرفت من الناحية السياسية بأنها نظام سياسي قائم على تعايش الجماعات المختلفة والمستقلة في الارادة مع تمثيلها في الحكم، بمعنى آخر، أن التعددية توزيع السلطة السياسية عن طريق اشكال مؤسساتية، اي ان السلطة لا تكون حكرا على فئة معينة، سواء كانت سياسية او اثنية او فكرية، وبعبارة أخرى المقصود بالتعددية السياسية هي نوع من التنظيم الاجتماعي الذي يتعلق ببيئة النظام السياسي وآليات عملياته المختلفة، اذ يسلم بضرورة وجود افكار وقيم ومؤسسات متعددة في النظام السياسي، اذ تقوم التعددية على ثلاثة مرتكزات اساسية وهي الايمان بالاختلاف والتنوع بين الافراد، الاقرار بالتبادل الطبيعي للمواقع والتأكيد على فكرة المؤسسة وانها نقيض للفردية، وقد تشير التعددية السياسية كذلك الى المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات الاجتماعية التي يمكنها ان تشارك في مزاولة السلطة. أما من الناحية الاجتماعية فعرّفت التعددية بأنها وجود مؤسسات وجماعات غير متجانسة في المجتمع المعاصر ويكون لها اهتمامات دينية واقتصادية واثنية وثقافية متنوعة. والتعريف الإجرائي للتنوع يتمثل بالتنوع الذي يشمل التشابه والاختلاف الذي يتصل بالفرد والمجتمع والسلطة والذي يتسع ليصبح أعم وأشمل، إذ تضم التعددية القومية والدينية والاثنية والحزبية والسياسية والتي تقوم على اساس توزيع السلطة التي تشمل جميع افراد المجتمع وتنوعه، كما ان التعددية والتنوع انما يكونان في اطار الوحدة والرابط المشترك، فالتعددية هي تنوع قائم على تميز وخصوصية فهي لا يمكن ان توجد الا بالمقارنة بالوحدة، وضمن اطارها لا يمكن اطلاق التعددية على التشرذم والقطيعة التي لا جامع لآحادها، ولا على الأحادية التي لا أجزاء لها، وليس بالضرورة تشابه او تطابق المضمون والتكوين بين أطراف العلاقة التفاعلية كون التنوع من المعطيات الأصلية لتاريخ البشرية، ومن النادر أن نجد مجتمعا لا يضم تعددا قوميا او اثنيا او دينيا او قبليا، وإن محاولة إقصاء او عزل او إلغاء هذا التنوع غالبا ما يؤدي الى الانقسام والتجزئة، لاسيما أن الفشل في ادارة هذا التنوع وعدم الوعي بالاختلاف والتعدد وعدم اعطائه استحقاقه في ظل عدم العمل بالحلول الناجعة جعل منه أزمة تشل الحياة الانسانية. 
يؤسس التنوع والاختلاف كظاهرة انسانية لثلاثة ركائز كبرى تقوم عليها الحياة الانسانية وهي الجمالية والتكامل والابداع، فالجمال رهن التنوع والاختلاف في الماهية والهيئة والوظيفة ولو ساد التماثل لقضي على الجمال بكل اطيافه وانواعه، واما التكامل فناتج عن التنوع ايضا وذلك لعجز اي مفردة في الخلق عن الانفراد بذاتها، فلا بد من تكاملها مع الاخر المختلف والمكمل، فلا وجود للفردانية بل يكمل احدهما الاخر المختلف والمكمل، وكذلك الابداع هو حاصل يقوم على ارضية التنوع كون التماثل ينفي الابداع. وهكذا فإن الاقرار بالتنوع وقبوله يعني الاقرار والقبول بالجمال والتكامل ولا إبداع من غير الاقرار بالتنوع وقبوله، وما على العقلاء إلا التدبير وحسن ادارة التنوع بعد الاقرار به كحقيقة لا يمكن تجاهلها وقبوله كحقيقة لا يمكن تجاهلها وقبوله كحقيقة جمالية تكاملية إبداعية.