السلطة والطغيان

آراء 2021/11/08
...

 كاظم الحسن 
تاريخ العالم الى حد كبير، هو تاريخ حرب وعنف وقد غطت الدماء الكثير من صفحاته، ويصح القول، انه تاريج الطغاة، قبل فجر الديمقراطية وسيادة الشعوب على مصيرها. ويرى ارسطو في كتابه الشهير «السياسة»: «ان الطغيان حكم اقلية وتضليل ومنافع ذاتية لايرمي الى مصلحة من المصالح العامة» .ويبدو ان مشاهير الطغاة، 
قد عاشوا طفولة شقية، فلم تتكون لديهم مصالح مشتركة مع الاخرين، ولم يكن ثمة ضمير اجتماعي في نفوسهم يجعلهم يتوقفون عن سفك دماء  الابرياء. والضمير لديهم يتحول من خلال الجمهور او الجموع الحاشدة التي تؤيد الدكتاتور الى ضمير مطلق للعنف والقتل فتكون العدوى متبادلة ضمن سايكولوجية الدكتاتور والجماهير، فتنطلق الغرائز من عقالها وتكون مدمرة للاثنين. فالجمهور الذي يبحث عن منقذ وهوية جمعية تشعره بالامان وحاكم يبحث عن هوية مفقودة وغرائز مكبوتة، بفعل الطفولة المعذبة، فيتملكه المطلق في كل شيء، فلايتورع في ارتكاب ابشع الجرائم في سقام ذهني. يتفاقم وضعه الشاذ، كلما امتد به العمر وادمن السلطة، فقد يبيد مدنا كاملة بمجازر جماعية، عندما يثور بعض الافراد والجماعات التي تعبر عن ظلم يحيق بهم. وفي تاريخنا الاسلامي استخدم الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، القمع كوسيلة لاغراض ترسيخ الحكم الاموي، وكان واليه على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي، نموذج القمع في العراق وهو الذي نطق حكمة الاستبداد «من تكلم قتلناه ومن سكت مات بدائه». 
وفي العصر الحديث كان الكواكبي ابرز من تناولوا هذه الظاهرة، الذي يصفها بأنها «صفة مطلقة العنان للحاكم للتحكم كما يشاء في شؤون الرعية بلا خشية من حساب او عقاب». والحقيقة ثمة اختلاف بين الاستبداد والشمولية، اذ ان الاستبداد يتحكم بشؤون الافراد ولم يصل الامر الى مصادرة افكارهم والسيطرة على عقولهم والادعاء بان ثمة رسالة سامية، يريد من خلالها تغيير طباىع النفوس وفق صورة مثالية، تعيش في مخيلته يحاول من خلالها قسر الناس على قبولها حتى لوكانت طوباوية وغير واقعية وتلك كانت الشرارة الاولى لسفك الدماء والحروب.
والحياة بطبيعتها، تميل الى التنوع والاختلاف والتلون والتعدد ونقيضها الاحادية والموت والحزب الواحد. ونعتقد ان الشمولية العلمانية، من مواليد العصر الحديث. فالحضارة قد جلبت تلك الايديولوجيات وحدثت انتقالة في منظومة الانسان، الفكرية والسياسية. وتم تقديس العقل بشكل مطلق واطيح بالانسان ذاته، بحيث لم ينتقل من المقدس او المطلق الى النسبي، بل تمت الانتقالة في الشكل وبقيت الاليات ذاتها تعمل بالطريقة نفسها. لكن الفرق في توظيف التقنية الحديثة في صناعة الموت والغاء الاخر من خلال توظيف العلوم الانسانية في عملية غسيل الدماغ.