السلوك السياسي بعد الانتخابات

آراء 2021/11/09
...

 ماهر عبد جودة 
ما يحدث اليوم وبعد انتهاء الانتخابات، واعلان النتائج، كنا قد حذرنا منه، في عدة مقالات، كنا قد كتبناها في وقت سابق، وقلنا إن ما بعد الانتخابات هي المرحلة الأكثر خطورة، والعقبة الكأداء التي يجب تجاوزها من قبل الكتل والأحزاب، بالتمتع بروح رياضية، واتباع الطرق القانونية، عند تقديم الطعون.
والاعتراض على النتائج, خصوصا تلك الاحزاب التي تمثل شرائح المجتمع، التي كانت أكثر تضررا من النظام الدكتاتوري السابق، حيث ملايين الشهداء والمغيبين، بمئات المقابر الجماعية التي عثر عليها، وتم فتحها في أماكن مختلفة من أرض العراق، هذه الطبقة السياسية لا بد أن تتمتع بالنضج والحصافة والوطنية الحقة، والحرص الشديد على المكتسبات، التي تحققت منذ نهاية عهد الدكتاتورية، وألا تفرط بالجهد والوقت، وتتسابق مع الزمن بلا هوادة، من أجل البناء وتحقيق الاستقرار والأمن والرفاه والتقدم. 
فليس من المعقول، لمن قارع الدكتاتورية، وناضل سنوات طوالا وذاق الامرين، من السجون والمعتقلات والملاحقة والتشرد، وقضى عشرات السنين في الغربة، يصبح بين ليلة وضحاها، ضحية النوازع والمصالح الحزبية والشخصية وحب التسلط، ويدير ظهره لهموم الجماهير والمصالح العليا للبلد. 
لم تأت تجربتنا الديمقراطية إلا بعد مخاض عسير، ومعاناة لم يسبق لأي شعب ان مر بها في العالم, والكل داخل العراق كان يتطلع إلى الحرية والخلاص والانعتاق، وعندما يتحقق ذلك، تبدأ معاناة أخرى لهذا الشعب الجريح، بسبب أداء سياسي فج وغير مسؤول، وطبقة سياسية في حالة صراع وتقاطع مع بعضها البعض. 
خضنا انتخابات عدة منذ التغيير, ومع نهاية كل انتخابات, هناك مشكلة حول النتائج وقبولها, ولهذا عملت الحكومة الحالية وبالتعاون مع المفوضية والمجتمع الدولي، وبكل ما في وسعها من أجل إجراء انتخابات أكثر نزاهة وموثوقية، باعتماد البطاقة البايومترية وبصمات الأصابع، واستخدام أجهزة حديثة تعمل بكفاءة عالية، وبمراقبة فريق من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومنظمات المجتمع المدني، وبحضور ممثلي الأحزاب المتنافسة في الدوائر والمحطات, وبذلك اصبح هامش المناورة لمن يريد التزوير والتلاعب بالنتائج ضيقة للغاية، فكانت بحق من أفضل الانتخابات وأقلها اختراقا، واكثرها إقبالا ومشاركة جماهيرية، قياسا إلى الدورات السابقة، وذلك يعود لتصاعد الوعي، وتأكيدات المرجعية. 
كان المفترض بعد الانتخابات، ان يكون الخطاب تصالحيا، وأن يعمل الكل كفريق واحد، وأن يهنئ الجميع بعضهم البعض، والفريق الذي أتى بعدد قليل من الأصوات، عليه مراجعة اداءه وتغير منهج عمله، وأن اقتضى الأمر تغير مفاهيمه وتوجهاته بالكامل، لكننا شهدنا عكس ذلك، تظاهرات صاخبة وتهديد باقتحام المنطقة الخضراء، والمطالبة بإلغاء النتائج واعادة الانتخابات، بالرغم من أن المفوضية قد طالعت ونظرة بكل الطعون، وقامت بالعد والفرز اليدوي للدوائر والمحطات التي تعطلت فيها الأجهزة ولم تصل نتائجها إلى المركز الوطني. 
إعلان النتائج فرصة فرصة كبيرة للقوى السياسية، عليها اغتنامها، لتطوير نفسها ومعرفة سبب اخفاقها، وتراجع جماهيرتها، وقد كشفت تلك  الانتخابات بوضوح تام لا يقبل الشك، ان لا مستقبل لأي جهة سياسية، ليس لديها مشروع وطني، ياخذ بنظر الاعتبار، قيم المواطنة، ومبادئ الدولة المدنية الحديثة، وهي ما دعت إليه المرجعية دائما وبأعلى صوتها, فلا بقاء لأي حركة سياسية بنهج شمولي قائم على ثقافة فرعية ضيقة.
لا نملك إلا ان ندعو الفرقاء السياسيين للتمسك بالثوابت الوطنية، وتغليب لغة الحوار والتفاهم، وترك الفائز  يتحمل مسؤولية تشكيل الحكومة وإدارة الدولة، والاخرون عليهم الذهاب إلى المعارضة، من أجل مراقبة الحكومة وتقويم أدائها والكشف عن أخطائها، وما ارتكبته من هفوات، فليس من المعقول أن يكون الجميع، وقد اتفقوا مرة أخرى على تقاسم الكعكعة، والعودة إلى معزوفة أسكت عنك وتسكت عني، والتي كانت من الأسباب الرئيسة في الأمراض التي أصابت الجسد العراقي، وهذا ما لا يقبله الشعب العراقي ولن يرتضيه ابدا.