مجلس إعمار لكل محافظة عراقية

آراء 2021/11/13
...

  د. باسم محمد حبيب
 
تتوارد الأخبار عن عزم الحكومة إعادة تأسيس مجلس خاص بالإعمار على غرار مجلس الإعمار العراقي في العهد الملكي، الذي تأسس في بداية الخمسينيات من القرن الماضي والذي تحققت على يديه منجزات كبيرة أهلت العراق وفي مدة زمنية قصيرة، لتخطي كثير من الدول التي كانت تماثله أو تفوقه قليلا في مستوى التطور، وذلك بفضل مهارة المجلس في التعاقد مع شركات عالمية راقية ورصينة، إذ كان لتوافر السيولة النقدية بعد ابرام العراق لاتفاقية مناصفة الأرباح مع شركات النفط الأجنبية العاملة في حقوله، الأثر الأكبر في التوجه نحو الاعمار آنذاك، وتحويل فائض الأموال التي أخذت تصل الخزينة إلى خدمات ومشاريع انتاجية وإعمارية مهمة.
لكن تجربة مجلس الاعمار لم تستمر طويلا، فبعد سنوات قليلة من إنشائه سقط الحكم الملكي في 14 تموز 1958 وتأسست بدلا منه حكومة جمهورية أكملت في بداية تأسيسها مشاريع مجلس الاعمار، لكن تدهور الأوضاع في العراق نتيجة تكرر الانقلابات وما بعد ذلك من حروب وحصار، أدى إلى تقلص الاهتمام بمجال الاعمار، لا سيما أن مجلس الاعمار لم يعد موجودا، وبات تحديد المشاريع يخضع للإرادة السياسية للحكام وليس للحاجة الفعلية أو الجوانب الفنية والمالية كما كان الحال سابقا، وقدأدى هذا الأمر إلى حصول تفاوت في مستوى الإعمار بين محافظة وأخرى والتعاقد مع شركات غير رصينة، وبات المزاج السياسي ورغبات المسؤولين هي من تتحكم في تحديد ما تحتاجه البلاد من المشاريع أو توزيعها بين المحافظات وليس الدراسات الفنية التي يعدها المختصين .
لذا من الضروري الاستفادة من أخطاء الماضي عند إعادة تأسيس مجلس الاعمار حتى لا تتكرر تلك الأخطاء مرة أخرى، وأول شيء يجب التأكيد عليه هو استقلالية المجلس، بحيث يكون بعيدا عن تأثير الأحزاب والشخصيات السياسية، فيكون المجلس هو الجهة الوحيدة التي تحدد حاجة البلاد إلى المشاريع، وأهم الشركات الرصينة التي يجب اختيارها لتنفيذ المشاريع، وحجم الأموال التي يجب رصدها لها، مع وضع خطة إعمارية تشمل عموم البلاد لتوزيع المشاريع بين المحافظات وتحديد أي المحافظات أولى من غيرها بها .
ولأن عمل مجلس الاعمار سيكون صعبا ومعقدا فإن هناك حاجة لتأسيس فروع له في المحافظات كافة، حتى يهتم كل فرع بشؤون الإعمار في المحافظة التي يتواجد فيها، فيكون لكل محافظة فرع يتمتع بالاستقلالية التامة على غرار المجلس المركزي، عدا ما يتعلق بصلته بمجلس الاعمار، وأن يضم هذا المجلس مهندسين وقانونيين ومحاسبين وفنيين على غرار ما موجود في المجلس المركزي، لكي يدرسوا جميعا وبحسب اختصاص كل منهم حاجة المحافظة للمشاريع ويقدروا أيا من تلك المشاريع يجب أن تعطى لها الأولوية.
إن حاجة البلد لجهد اعماري كبير ومكثف يستوجب الإسراع بتشكيل مجلس الاعمار ومنحه جميع الصلاحيات التي تتيح له أداء مهامه بالشكل المطلوب، وأن يكون هذا الأمر في مقدمة ما سوف يناقش في مجلس النواب القادم، حتى نوقف مهزلة المشاريع السطحية والمتلكئة والوهمية، التي قاربت الثمانية آلاف مشروع، والتي تسببت بهدر كبير للأموال وبتحول البلد إلى مرتع للشركات الفاشلة والوهمية، مؤملين أن يكون إقرار مجلس الاعمار بداية الطريق لاعمار حقيقي انتظرناه طويلا.