هل نحن جياع فعلا؟!

آراء 2021/11/13
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
«محد يبات بلا عشا»، مثل شعبي عراقي قديم، يختصر الكثير من التفاصيل، المتعلقة بالامن الغذائي للعراقيين، ومن تلك التفاصيل، ان العراقي ما جاع ولن يجوع، كما انه ليس جائعا الان، لذلك فقد قوبل تقرير برنامح الاغذية العالمي، الذي وضع العراق، الى جانب اكثر سبعة بلدان جوعا في العالم، بالاستغراب وربما الاستهجان، اذ هل يُعقل ان حال العراقيين بالسوء نفسه الذي يعانيه الصوماليون او المدغشقريون،؟! فهذه البلدان تعاني جوعا متجذرا، ولطالما نقلت لنا الكاميرات مشاهد مؤلمة لتلك الشعوب، وهم خمص البطون، ويتقاتلون من اجل الحصول على لقمة تقيهم غائلة الجوع، الذي يفتك بهم منذ عقود طويلة من الزمن، كما لا يمكن باي حال من الاحوال مقارنة بلد متوسط دخل الفرد فيه 6 الاف دولار وموازنته اكثر من 100 مليار دولار سنويا، مع بلد اخر متوسط دخل افراده، اقل من 300 دولار، مثلا، ومن المؤكد ان المقارنة ستكون غير منصفة، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ما يتوافر عليه العراق من ثروات، لعل في مقدمتها التمور، فاذا لم يكن لدينا غير التمر، فاننا والحال هذه لن نجوع ابدا.. ومن دون الخوض في تفاصيل الواقع المعيشي للعراقيين، والذي لا اريد وانا اتحدث في حيثيات هذا الملف المهم والحساس، ان ارسم صورة وردية للحياة عندنا، بقدر ما كنت اريد ان اقول، ان هنالك فرقا بين ما رسمته خريطة برنامج الغذاء العالمي، من صورة حمراء قاتمة للوضع الغذائي في العراق، عندما اشارت الخريطة الى ان اكثر من 35 % من العراقيين ينامون جياعا!! وبين الواقع المُعاش فعلا. وهنا اقول، نعم، ان الحال لدينا ليس سهلا، وثمة تحديات جسام كانت وما زالت تواجه حياتنا، وهذه التحديات ليست خافية على احد، ولا يريد احد التعمية عليها، فالجميع يعرفها، ويخوض في تفاصيلها، فالعراق من بين الدول التي ما زالت بحاجة الى مساعدات خارجية، ولكن ذلك لا يعني الجوع،.. صحيح ان نسبة الفقر مرتفعة كثيرا، ولكن ذلك لا يعني الجوع، صحيح ان الواقع الخدمي متهالك في اغلب الخدمات، ولكن ذلك لا يعني الجوع، صحيح، ان لدينا مشكلات امنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ولكن ذلك لا يعني الجوع، نعم لدينا تباين حاد في توزيع الثروات التي تنعكس على متوسط دخل الفرد، وبالتالي التأثير على المستوى المعيشي، نعم لدينا نحو مليون ونصف المليون اسرة، ضمن شبكة الحماية الاجتماعية، ولكن ذلك لا يعني الجوع. وقد تكون اصعب فترة غذائية مر بها العراق، كانت فترة الحصار الاقتصادي، في تسعينيات القرن الماضي، وفيها عاش العراقيون اسوأ مرحلة في التاريخ الحديث، الا انهم لم يصلوا المستوى الذي يمكن معه ان يقارنوا بالمدغشقريين. اما اذا اردنا الحديث عن تفاصيل المستوى المعيشي للعراقيين اعتمادا على الرصد الميداني، فلا اتصور ان الميدان سيبخل على الراصد بمشاهد التحسن الملحوظ في الحياة، الامر الذي يؤكد ان وضع العراق، في منطقة البلدان الاكثر جوعا في الكوكب، لم يكن منطقيا ابدا..