ما بين المرجعية والدولة المدنية

آراء 2021/11/13
...

 غازي فيصل 
حسمت المرجعية الدينية في النجف الاشرف تصورها لشكل الدولة في العراق، ببيان واضح، ولغة لا تشوبها شائبة، بأنها تؤيد الدولةالمدنية، ادراكا منها لضرورات عديدة، يأتي في مقدمتها، ان العراق يتكون من تنويعات عديدة للهويات والمرجعيات الدينية، والطائفية،والعرقية، وبالتالي هي صوبت المواطنة كاساس معياري في التشكل الدولتي للعراق محكوما بالقانون، لقد كان هذا التصريح بهذا الشأن على مستو عالٍ من الاهمية ذي الطابع التاريخي
فهو يتأتى من شعور عميق يالمسؤولية ازاء حاضر العراق ومستقبله، فقيمته الاستثنائية هي مصدره الديني السامي وهدفه الاساسي الحفاظ على وحدةالدولة العراقية والتأكيد على السلم الاجتماعي، وحتى في فترة التظاهرات التشرينية اعلنت المرجعية موقفها الصريح من الدولةالمدنية، بمساندتها للمتظاهرين المطالبين بوطن، والمحتجين على تردي الخدمات، ومستويات المعيشة المتردي، وشيوع ظاهرة الفساد في اغلب مؤسسات الدولة، والملفت الى أن المرجعية تتمتع بحس تاريخي وطني ومتابعة دقيقة لتطورات واقعية سابقة، ولمسارات خاطئة ادت الى نتائج مأساوية وخيمة ترتبت لاحقا، ان الذي حدى بالمرجعية أن تعلن موقفها الرافض عن سلوك الحكومات السابقة والوقوف الى جانب المتظاهرين هو انهيار أمني واقتصادي متدهور، وليس وفق متوالية متطورة تصاعديا، فلو ان الآلية الاخيرة اشتغلت، لتوصلنا الى دولة المؤسسات المنشودة. إن استثمار لحظة الحراك الجماهيري كان مناسبة لتجديد الدعوة الى الدولة المدنية، فلم تعد الشعارات السابقة صالحة للتطبيق بعد ان ثبت فشلها، وانطلق شعار المرجعية (المجرب لا يجرب)، الذي يعني بدلالته البسيطة، ان المشروع المبني على دولة طائفية او عرقية لا يقود الى دولة مواطنة، فما ينبغي التشديد عليه هو استغلال اللحظات التاريخية التي تمثل مقدمات التحول والتغير، والذي ميز المرجعية في النجف انها لم تكن لتتدخل مباشرة في مجال التغير، انما اكتفت بالنصيحة والضبط المجتمعي، وبمتابعة بسيطة يمكن ان نستنتج منها الكثير من الامور، هو انها اكثر بصيرة من الكثيرين ممن ينتمون الى العملية السياسية، لاستقبالها لايقاع مجريات الحياة الراهنة، وهي الاقرب الى نبض الشارع العراقي المتنامي، وتكتسب الاحترام المستمر منه، كما انها على دراية بالارادة الوطنية، لقد واظبت المرجعية طيلة تظاهرات تشرين على اسداء النصائح، التي تدعو الى ديمومة التظاهرات وتوجيه اللوم الى الحكومة انذاك، حتى تطابق صوتها مع صوت المتظاهرين على اسقاطها، لقد اثبتت المرجعية انتماءها الوطني بكل جلاء ومساندتها، لكل رأي من شأنه الدعوة الى دولة تكون بوصلتها المواطنة ويحكمها القانون.