بيروت: جبار عودة الخطاط
في بيروت اليوم لا صوت يعلو فوق صوت المعاناة التي تعددت مصادر تغذية أزماتها الفادحة والتي فاقت قدرة الناس على الحدود الدنيا من التحمل، مقرر الأمم المتحدة المعنيّ بالجانب الإنساني، أوليفييه دي شوتر، أطلق صرخته بهذا السياق قائلاً :"إنّ "الأزمة اللبنانية تدمّر حياة السكان، وتحكم على الكثيرين بفقر سيتوارثه الناس جيلاً بعد جيل. في حين يحاول السكان البقاء على قيد الحياة يوماً بعد يوم، تضيّع الحكومة وقتاً ثميناً في التهرب من المساءلة".
في هذه الأثناء يرى الكثير من اللبنانيين ممن فقدوا ثقتهم بقدرة ساستهم على إيجاد المخارج لأزماتهم المميتة بأن المجتمع الدولي يتصرف إزاء محنتهم ببطء قاتل كما عبروا بذلك لـ"الصباح"، وجواباً على سؤالنا فيما ستسفر عنه جولة المباحثات اللبنانية المرتقبة لصندوق النقد الدولي، أكد الباحث الدكتور عبد الرحمن بدوي أن "المشكلة عندنا في الطاقم السياسي الذي لا يجيد هندسة الأولويات في سياسة التعامل مع الأزمات، كما أن الحكومة الحالية دخلت في نفق طويل من الأزمات بحيث صرنا نتساءل عن مدى قدرتها على التفاوض المثمر مع النقد الدولي بحيث لا يتمخض ذلك عن إجراءات موجعة أخرى تضاف الى معاناة الشعب
الذي تكتنفه الحيرة مما يلاقي يومياً من مصائب".
أما مقرر الأمم المتحدة، أوليفييه دي شوتر فأشار إلى أن "سياسة السلطات اللبنانية أدت الى تدمير العملة الوطنية، وإدخال البلد في مأزق سياسي، وتعميق أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، بحيث أغرق لبنان في فقر مدقع"، ولفت إلى أن "لبنان بات على شفير الانهيار، وحكومته تخذل شعبها"، موضحاً أن "تدمير الليرة اللبنانية أدى إلى تخريب حياة الناس وإفقار الملايين. وتسبب تقاعس الحكومة عن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة بحالة بؤس شديد لدى السكان، ولا سيما الأطفال والنساء، والأفراد الذين لا يحملون وثائق، والأشخاص ذوي الإعاقة الذين كانوا مهمشين أصلاً"، وأضاف: "التقيت خلال زيارتي بأشخاص يعتمدون على المنظمات الدولية وغير الحكومية للبقاء على قيد الحياة، وأطفالٍ صغار حلمهم الوحيد أن يغادروا البلد في أقرب وقت ممكن، ونساءٍ يتحملن الفقر والعوز ويسعين لحماية أطفالهن، وشبابٍ في مقتبل الحياة لا آفاق لحياتهم. يحتاج هؤلاء الناس اليوم إلى حلول موثوقة، ويساورني قلق عميق من أن الحكومة لا تأخذ محنتهم على محمل الجد".
في جانب ليس ببعيد، وفي ظل حالة الفقر المدقع التي باتت تعصف باللبنانيين جراء أزماتهم الخانقة عادت الأعين تترقب ما يمكن أن تسفر عنه جولات الموفد الأميركي بين بيروت وتل أبيب بخصوص ملف التفاوض غير المباشر مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما، ليبدأ لبنان بعدئذ، فعلياً العملية التي طال انتطارها باستخراج ثروته النفطية من البحر والمرهونة بإتمام هذه المفاوضات لعلها تحجم من مساحة الألم اللبناني الهائل، ويبدو ان ثمة تفاؤل بهذا السياق حيث تنقل الأوساط المقربة من مسار هذا الملف الحيوي أجواء التفاؤل بعد المعطيات القادمة من الولايات المتحدة الأميركية الى لبنان لتشير الى تعاطٍ إسرائيلي إيجابي مع المقترح الذي قدمته بيروت بشأن الحدود البحرية والذي يمثل خطاً وسطياً بين خطّ فرديريك هوف والخط 29، مما يعني حصول لبنان
على حقل قانا، بينما تحتفظ تل أبيب بحقل كاريش.
الوسيط الأميركي آموس هوكشتين الذي يتنقل بين لبنان واسرائيل؛ من المؤمل عودته الى بيروت في أواخر هذا الشهر وبجعبته رد من الجانب الإسرائيلي على الرؤية اللبنانية التي تبلغها لدى زيارته الى العاصمة اللبنانية ولقاءاته بالرئيس اللبناني ميشيل عون والفريق اللبناني المفاوض.
الى ذلك وبشأن الصدع الكبير الذي بات يعتري العلاقة بين لبنان ودول الخليج على خلفية تصريح سابق لوزير الإعلام اللبناني، أكد الوزير جورج قرداحي، أنه "سيستقيل في حالة واحدة فقط. هي أن تكون خطوة استقالته مشروطة بحل الأزمة وبأنه سيتنحى فقط إن تلقى ضمانات بأن استقالته ستحل الأزمة". وذكر قرداحي لصحفيين في بيروت، امس السبت أنه "مستعد للاستقالة إن تواجدت الضمانات، وحتى الآن، لا توجد ضمانات" كما يؤكد قرداحي.
ويضيف بأنه سلم رسالة تطلب ضمانات للبطريرك المسيحي الماروني بشارة الراعي. لكنه لم يقل ما هي شروطه بانتظار ان تصله هذه الضمانات التي تنهي هذه الأزمة مع دول الخليج، أما النائب العوني آلان عون، فأكد أنه يؤيد استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، "إن كانت ستؤدي إلى حل فقد تحول إلى رمز للإشتباك ويجب أن يحصل حوار مع الخليج وهذا لا يعني أن كل مآخدهم صحيحة".