الطبيعة القانونيَّة لجرائم التهريب الجمركي

آراء 2021/11/14
...

 القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي 
  من اهم مظاهر سيادة الدولة هو حقها في ايقاع العقاب، وان هذا الحق يمتد بامتداد حدود هذه السيادة ومن المسائل المهمة في القانون التهريب الجمركي. حيث عنى المشرِّع العراقي بالتهريب في قانون الكمارك 
تعد جرائم التهريب من الجرائم الخطرة التي تنطوي على ارتكاب نشاط اقتصادي غير مشروع، يؤدي الى نتائج وعواقب جمة تواجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جميع البلدان، لقد شعرت معظم الدول الحاجة الى فرض الرقابة على دخول البضائع وخروجها ولم يكن الدافع الاساسي لهذا الاجراء من اجل تحصيل الضرائب والرسوم فقط، بل لأجل حماية الصناعة الوطنية ايضا
ولعل هناك اسبابا لوقوع جريمة التهريب الجمركي، منها زيادة الرسوم الجمركية وضعف الجهاز التسويقي وكثرة القيود على الاستيراد والتصدير وتباين الاسواق والضعف في الرقابة وقلة عدد الموظفين العاملين في مجال الجمارك والرغبة في جمع 
الثروة. 
ولا جدال في ان ارتكاب جريمة التهريب فيه غش للدولة، سواء كان عن طريق التسلل بالبضائع عبر الحدود هربا من تأدية الضرائب والرسوم لدى الاستيراد او خرقا لأنظمة المنع لدى التصدير او عن طريق بيان كاذب او قائمة غير حقيقة، يمكن بواسطتها التخلص من جزء من الرسوم الواجبة الدفع ولقد ثار خلاف بين الفقهاء المختصين في القانون، حول طبيعة التهريب وهل يعتبر جريمة جنائية ام أفعالا مدنية، فهناك من يذهب الى اعتبار الجريمة الجمركية بمثابة فعل مدني غير مشروع، أي هو عمل تقصيري بينما يذهب البعض الاخر الى اعتبارها جريمة جنائية صرفة لا فرق بينها وبين الجرائم المنصوص عليها في القوانين العقابية، وان اعتبار التهريب جريمة جنائية فهو يعني سريان قانون العقوبات وقانون الجمارك عليها، خاصة في ما يتعلق بتعدد الجرائم واثره في العقاب، وكذلك الشروع في الجريمة والضرورة والعود وغيرها من الاحكام، في حين لو تقرر اعتبارها فعلا مدنيا غير مشروع سيؤدي الى تطبيق القانون المدني عليها فيما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية، فيقرر التعويض عن كل غير مشروع الى الحد الذي لا يوجد فيه شروع كما يتقرر التعويض بغض النظر عن وجود حالة الضرورة ام لا، وبغض النظر عن اعتياد الفاعل على ارتكاب العمل غير المشروع ام لا.  ونجد أن المشرِّع العراقي كان حاسما في اعتبار التهريب جريمة جنائية حيث جاء بنصوص صريحة في قانون الجمارك النافذ يقضي بتطبيق احكام المواد {141و 142و 143} من قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل في ما يخص حالات تعدد جرائم التهريب الجمركي وايضا اشترط وبنص صريح توفر القصد الجرمي لترتيب المسؤولية الجنائية عن جرائم التهريب الجمركي، كما ان قانون الجمارك النافذ رقم 23 لسنة 1984 و تعديلاته تضمن قواعد جنائية عديدة مثل الشروع اذ نصت المادة {194 / اولا} على أنه {مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد تقضي بها القوانين النافذة يعاقب عن التهريب و ما في حكمه وعلى الشروع في أي منهما} كما نصت الفقرة ثانيا من المادة {194} على انه {يجوز الحكم بضعف العقوبات المشار اليها في البندين {أ و ب} من الفقرة اولا من هذه المادة عندما يكون المسؤولون عن التهريب من ذوي السوابق}، كما تضمن القانون على عقوبة الحبس البدلي وان كل ذلك يدلل على الطبيعة الجنائية لجريمة التهريب الجمركي وان المشرِّع العراقي في قانون الجمارك النافذ يلقي بالمسؤولية على الفاعلين والشركاء بالتكافل والتضامن، دون اعتبار لدرجة مساهمة كل منهم في الجريمة وان هذه المسؤولية لا تقتصر على الاشخاص المسؤولين جنائيا، بل تتعداهم الى الاشخاص المسؤولين مدنيا وقد ساوى المشرع في العقوبة بين حالتي الجريمة التامة والشروع من حيث العقوبة، وان خطورة هذه الجرائم و النتائج السلبية التي تتركها على الاقتصاد الوطني والتي تحول دون تنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية، التي تسعى الدولة الى تحقيقها كما انها وسيلة من وسائل التخريب الاقتصادي وافشال الخطط التنموية والاضرار بالموارد الصناعية والزراعية والصحية والطبيعية للبلد، وتمثل انتهاكا للملكية 
العامة.
 حيث إن جريمة التهريب تمثل تجاوزا على النظام الجمركي والضريبي للدولة، وهي تمس بالسياسة التجارية والنقدية فهي من الجرائم الاقتصادية، لكونها تمس الرسوم والضرائب الجمركية، وهي في محصلتها النهائية ملكية عامة تنصب في خدمة المجتمع، ومما لا يخفى عليه الدور المالي والاقتصادي الذي تضطلع به الدوائر الجمركية، فقد بات من الضروري على المعنيين العاملين في هذا المجال لإغناء خزينة الدولة بشكل قانوني، من خلال مكافحة جريمة التهريب الجمركي، خصوصا مع ازدياد الاستيراد والتصدير ما ادى الى كثرة حالات التهرب من دفع الرسوم والضرائب، التي تفرض على البضائع والسلع وان جريمة التهريب الجمركي هي جريمة مالية، كونها تنطوي على اعتداء على خزينة 
الدولة.