التــغــيير الســـيـــاســـي أولاً

آراء 2021/11/14
...

 رعد أطياف
دائماً ما يكون تحليل طبيعة الأحداث بمعزل عن عواملها المشتركة فيحيل العملية برمتها إلى محاضرة مدرسية تبسيطية. 
هذا التبسيط يضع المجتمع العراقي دوماً في خانة الاتهام بوصفه مجتمعاً لا يتغير. وبهذا المعنى يغدو التغيير الاجتماعي مقدما على التغيير السياسي.
عليك، مثلاً، أن تكابد عدّة قرون من الانتظار على أمل أن يتغيّر الشعب!.
إن حقيقة هذه الأحكام التبسيطية، التي لا تتوقف على بسطاء الناس فحسب، بل نتورط بها نحن المتعلمين في كثير من الأحيان، هي أحكام فوق 
التاريخ. 
والدليل على لا تاريخيتها هو أن التاريخ لم يخبرنا يوماً ما أن هنالك شعبا ما تغير قبل أن يجد طريقه للتغيير السياسي. 
لذلك تغدو الديمقراطية، أولاً وأخيراً، هي المنفذ الذي يقودنا إلى بر الأمان نحو التغيير السياسي.
لا يمكن لكل هذه الأعداد الغفيرة أن تشارك في العملية السياسية لولا فضائل الديمقراطية 
وحسناتها. 
وبما أن الشعب قد سُمح له باختيار ممثليه فسنتلمس بعض التقدم، تدريجياً، في وعي الجمهور السياسي. 
على أي حال، ما من شعب يختلف عن آخر بشكل عام إلا من حيث بعض الخصوصيات الثقافية، وهذه الفوارق لا تقف عائقاً، سلبياً كان أو إيجابياً، بوجه التغيير 
السياسي. 
كل الشعوب بشكل عام تمتلك القابلية على التغيير، غير أن هذه القابلية لا تظهر وحدها فجأة وتعلن التغيير بلا عقل يقودها.
أعني، أن السياسة هي العقل المفكر للمجتمع وهي من تقود التغييرات الاجتماعية الكبرى عبر بناء المؤسسات وسك القوانين وتنظيم المجتمع بالشكل الذي يسمح له استكشاف 
مواهبه. 
كان عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر يعتقد أن البروتستانتية هي الركيزة الأساسية بنهضة أوربا، إلا أن الرأسمالية والتقدم التكنولوجي لم يبقيان حبيسا أوربا، فانتقلا إلى اليابان بثورة تكنولوجيا عملاقة، فحينئذ فكر اليابانيون عن سر هذا التطور، إذ لم تعد البروتستانتية هي المرجعية المطلقة في ازدهار وتقدم شعب ما، فوجدوا الفكرة: إنها تكمن في أخلاق 
الساموراي!. 
ولم ينتظر الصينيون جيرانهم في صناعة هذه السرديات؛ حيث أضاف الصينيون سردية ثالثة تفسر سر التقدم الصيني الهائل، وهي الأخلاق 
الكونفشيوسية!. 
والحقيقة، بشهادة أمارتيا صن، أنه كل ثقافة تعطي الأولوية للتعليم سيكون لها الحظ الوافر من التقدم؛ فمزيد من التدريب والتعليم ومؤسسات ديمقراطية سينقل أي شعب كان ويضعه في مصاف الشعوب المتقدمة. 
ولا نحتاج إلى مزيد من جلد الذات ووضع الشعب في قفص
الاتهام.