(صنع في التصميم) مفاهيم معرفيَّة تبحث في جماليات التصميم الكرافيكي

ثقافة 2021/11/16
...

 فلاح حسن الخطاط
 
صدر مؤخراً للفنان والأكاديمي د. راقي نجم الدين كتاب (صنع في التصميم.. أبواب في رواق التصميم) عن دار سطور للنشر والتوزيع – بغداد، تناول فيه إطاراً تاريخياً لمجموعة التحولات في فن التصميم الكرافيكي بوصفه حقلاً احترافياً ومعرفياً له علاقة مباشرة بالبحث العلمي الاكاديمي. فهو يقدم باقةً من الأفكار التي قد تفتح آفاقاً لدراسات وبحوث في أدبيات فن التصميم. ودراسة جماليات التصميم المفتوحة على فضاءات الرؤية التاريخية للمصمم حيناً، واشتراطات الرؤية المعرفية وتقنياتها وانظمتها حيناً آخر.
ويُعرف الكاتب التصميم على أنه نشاط ابتكاري، يهدف إلى تحقيق جودة متعددة الأوجه، للأشياء أو الخدمات أو العمليات والنظم المرتبطة بها مجالات الحياة كافة، فهو العامل المحوري والرئيس للابتكار الإنساني فى مجال التكنولوجيا، كما هو العامل الحاسم في عمليات التبادل الثقافي والاقتصادي، كما وصف المصمم "هو الشخص الذي يمارس مهنة فكرية وليس ممارسة حرفة أو القيام بخدمة من خلال مؤسسة تجارية". وداخل كل منا يوجد مصمم. فالتصميم هو رغبة إنسانية يتحلى بها الإنسان وتدخل في شتى نواحي الحياة، بدءاً من اختيار الطريقة التي يرتدي بها ملابسه وتنسيقه لغرفته وصولاً إلى الطريقة التي ينظم بها أفكاره. فهو بحاجة دوماً إلى طريقة يعبر بها عن ذاته وتلبي احتياجاته. والمقصود بالتصميم هنا ليس فقط تصميم الكرافيك انما التصميم في مفهومه الشامل، الذي يتضمن تصميم المنتجات والأثاث والخزف وغير ذلك من الأشياء التي يستخدمها الفرد في حياته اليومية.
فهو بشكل عام عمل فني مبتكر يهدف لإيصال فكرة ما، لمشاهدته عن طريق مزج عناصر عدة، مثل الوحدة والتناسب والصور والكتابات والأشكال والألوان والفضاء والملمس والظل والضوء وغيرها، مع مراعاة أسس التصميم. والهدف منه إشباع لحاجة إنسانية مُلحة عن طريق تقديم قيمة نفعية وجمالية في آن واحد. 
ويُعبر التصميم عن رؤية موضوعية أو يستخدم كحل لمشكلة ما، وتحدد موضوعية التصميم بمدى قدرته على أداء الوظيفة التي صُمم من أجلها، ويمكن التحقق من ذلك عن طريق القياس أو الاختبار. وتطلق كلمة الفن على كل ما يهتم بالجوانب الجمالية أكثر من الجوانب العملية، ولذلك نجد أن أساسيات التكنولوجيا كافية لممارسة الفنون. بينما من أسس التصميم الجيد المعرفة العميقة بالخامات وطرق الإنتاج والدراسة المتعمقة للمعارف التكنولوجية.
في المملكة المتحدة ظهرت حركة أسهمت فى فصل تصميم الكرافيك عن الفنون الجميلة. الوقت ذاته ظهر اسم الفنان "موندريان" مؤسس نظام الشبكية (Grid system) المستخدمة اليوم في الإعلان والطباعة والتصميم على شبكة الإنترنت.
عام 1849 أدخل "هنري كول"  تصميم الكرافيك المسار التعليمي في بريطانيا الذي ساهم في لفت نظر الحكومة البريطانية إليه من خلال مجلته المتخصصة بالتصميم والمصنوعات وتنظيمه للمعرض الكبير الذى يعد احتفالاً بالتصميم والتكنولوجيا معاً.
ومع ظهور مدرسة الباوهاوس، تأثر بها العديد من مصممي تقنيات الإنتاج مثل "هربرت باير لاسل" و" موهولي ناجي" اذ لاقت تصاميمهم الكرافيكية ذات الطراز الحديث، قبولاً على نطاق واسع آنذاك، وأصبح الاقتصاد العالمي بحاجة ماسة إلى تصميم الكرافيك لأغراض الطباعة والتغليف والدعاية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
في عام 1937 حدثت ثورة هائلة فى مجال الهندسة المعمارية والتصميم الحديث نتيجة لهجرة مدرسة الباوهاوس الألمانية، ظهر العديد من المصممين أمثال "جوزيف مولر بروكمان" الذي صمم ملصقات توصف بالبساطة والعنف معاً، "وأدريان فروتايجر" الذي نجح في خلق منهج فريد للتصميم عن طريق تطبيق مبادئ مدرسة الباوهاوس على تصميم الدعاية والشعارات ليكون رائداً لتصميم الهوية البصرية التجارية.
ومع ظهور الحاجة الملحة لأجهزة الكومبيوتر الخاصة بالتصميم وتنافس شركات التكنولوجيا، انتج أول جهاز كومبيوتر خاص بتصميم الكرافيك من قِبل شركة Apple Macintosh واستخدمه العديد للمطبوعات البسيطة لسهولة استخدامه وقلة ثمنه. 
وبمرور الوقت، أعيدت صياغة مفاهيم التصميم الكرافيكي بالكامل، نتيجة تطور التكنولوجيا الرقمية وأجهزة الكومبيوتر، وفي عقد الثمانينات وبفضل نظام عرض الصور الذي طرحته شركة أبل في أجهزتها Apple Macintosh أطلق عليه في ذلك الوقت WYSIWYG اختصاراً لعبارة What you see is what you get بمعنى «ما تراه هو ما ستحصل عليه بعد الطباعة». ويعود هذا التطور أيضاً وخاصة مفهوم النشر المكتبي إلى شركة أدوبي  Adobe التي انتجت Adobe pagemaker.
ومع ظهور الانترنت في الستينات من القرن المنصرم، كانت البداية لأكبر مكتبة عرفتها البشرية من التصاميم الكرافيكية، في سهولة تناقل التصاميم والصور عبر الشبكة. ومع تطوره في السبعينات من ذات القرن، اتجهت كبرى الشركات إلى تطوير بناء أماكنهم الخاصة على الشبكة والاستعانة بالمصممين، ليكن بداية ما يعرف حالياً بالتصميم الرقمي لصفحات الويب. ومع هذا التطور الحافل والمفاهيم الجديدة التي تظهر بشكل مستمر في هذا المجال، نجد أن مهنة مصمم الكرافيك Graphic designer من أكثر المهن المرموقة في الكثير من بلدان العالم لأنها تساعد في إنشاء علاقات بصرية جذابة عن طريق مزج اللون والشكل.
من خلال تطور الأجهزة والتقنيات الانتاجية التي أسهمت بشكل كبير وفاعل في تطور التصميم بمختلف انواعه وفنونه، خدمة للمجتمع وتلبية احتياجاته اليومية المتطورة، واشباع رغباته في اقتناء الجديد التي انعكست ايجابياً على الاقتصاد العالمي. 
يؤكد الكاتب على ان التصميم والابداع يشتركان بأشياء ونتاجات عديدة، والشيء المهم هو الميدان الذي يكمن في أسلوب صناعة او انتاج التصميم، من خلال تشكيله وقولبته من عناصر مهمة قد يصعب تشكيلها احيانا، الا بوجود الاجهزة والآلات المختلفة، لايجاد الشكل والتصميم الجديد بمواصفاته التي تجعل منه وسطاً مثيراً للانتباه في المجتمع، وهذا ما ينطبق عليه تصميم المنتجات الصناعية المختلفة، ولاسيما تلك التي ترتبط بتطور نمط حياة الانسان اليومية وتطويرها.
ان العالم يتصارع لتلبية الاحتياجات الاساسية مثل الغذاء والمأوى والصحة وحقوق الانسان الاساسية، هناك ايضا حاجة للحصول على المركز والاحترام والترف. وبالمثل ايضا فإن كلا من الجمالية والوظيفية متأصلتان في التصميم. كلاهما لا تزالان سائدتين، ولكن في المستقبل يمكننا فقط أن نأمل تحقيق توازن اكثر انسجاما بين هذين 
المفهومين.
ويتطرق الكاتب ايضا الى مجالات منها الفوتوغراف والتصميم الرقمي التي تعد من اهم وسائل تطور التصميم الكرافيكي المعاصر، وطرح مفهوم "تصميم الثقافة" كونها طريقة حياة مجتمع ما، اي انها السلوكيات والمعتقدات والقيم والرموز التي يمارسونها من دون تفكير ويمررونها عبر التواصل 
والتقليد. اذ يطرح تساؤلات عدة لمناقشة تلك العلاقة الجدلية المهمة والمتغيرة احيانا ما بين الثقافة من جهة والتصميم من جهة أخرى، ولا سيما ان التصميم هو إعطاء شكل للثقافة، كتعبير مجازي موفق ودقيق. ادعو الباحثين والمتخصصين والمعنيين بالاطلاع على الكتاب لما يحتويه من معلومات ومفاهيم مهمة في التصميم الكرافيكي.