الفنون الإسلاميَّة

ثقافة 2021/11/16
...

لؤي حمزة عباس

بعد أكثر من نصف قرن على رحيل العلامة الدكتور مصطفى جواد (1906ـ  1969) تنشر مجلة (المورد) مخطوطته الفريدة (الفنون الإسلامية)، بدراسة وتحقيق الأستاذ حسين محمد عجيل، وهي مناسبة تستدعي الاحتفاء والتنويه لأكثر من سبب، أول هذه الأسباب نشر واحدة من مخطوطات العلامة الذي قيل فيه إنه «رجل بمجمع، ومجمع في رجل»، بعد إيلائها ما تستحق من عناية وتدقيق، بما يجدد الأمل بتوجه جيل جديد من المحققين النابهين لبعث الحياة في مخطوطات الكثير من علماء العراق الأجلاء التي بقيت زمناً ليس بالقصير حبيسة الرفوف والأدراج، يسأل الأستاذ حسين في مدخل الكتاب «لماذا هذا الكتاب الآن؟»، ويستعيد في جوابه سيرة الدكتور العلامة ومسيرته المعرفية، وهما سيرة ومسيرة تشكلان درساً رفيعاً من دروس الثقافة والحياة والانتماء، كما أن نشر هذا الكتاب بما فيه من «لمحات فريدة من تاريخ الفنون في بلادنا ومحيطها»، يُعد سبباً آخر من أسباب الاحتفاء، فهو جهد تأليفي عراقي رائد، «يضيف معرفة أوسع بتاريخ البلاد الحضاري، ضمن التاريخ العربي والإسلامي العام»، إنه إطلالة من ماض مشرق على حاضر جدير بكل جهد من أجل بناء مستقبل طالما تفانى في العمل من أجل بنائه جيل من الأساتذة العلماء، إن اهتمام الدكتور مصطفى جواد بالفن في الجزيرة العربية قبل الإسلام، والوقوف عند هندسة المدن في العصور الإسلامية كافة، ليتفحص بعد ذلك بناء المدن للأغراض العسكرية والأغراض المدنية، من هندسة وإنشاء وسياحة، وليتأمل مزايا الفن الإسلامي مدققاً في تفاصيله العمرانية وأبعاده الزخرفية، تعبير عن عمق معرفته وسعة اطلاعه، وصولاً لـ (التصوير عند العرب)، مقالة الدكتور المنشورة في مجلة (الثقافة) القاهرية، تشرين الثاني 1943، وقد ألحقها المحقق بالكتاب، كما فعل مع مقالة (نظرات في التصوير عند العرب) المنشورة في المجلة نفسها في تشرين الأول 1944، ليكتمل الجهد وتتضح رؤية العلامة الدكتور مصطفى جواد للفنون الإسلامية الرفيعة، ولا بد من الإشارة إلى ملاحظة المحقق الطريفة بصدد  تقسيم الكتاب المستمد من ولع مؤلفه بفن السينما، «كأنه استعار تقنيات السينما في تقديم الموضوع تباعاً ابتداء من اللقطة العامة، فالمتوسطة، إلى اللقطة القريبة، ثم القريبة جداً»، بما يكشف عن جانب في شخصية العلامة الموسوعي الذي حظي بتقدير كبار مستشرقي فرنسا لعبقريته. إن ما قدمه العلامة مصطفى جواد في كتابه (الفنون الإسلامية)، يكشف عن جهود الأساتذة من مختلف الأجيال في بناء صرح العراق المعرفي، هذا الصرح الذي يحتاج الكثير من الجهود النظرية والعملية لإعادته إلى الحياة والنهوض به من جديد.