مآلات الفردانيَّة في المجتمعات التعدديَّة

آراء 2021/11/16
...

   منى زعرور* 
لطالما تم النظر إلى سلبيات المجتمعات التعددية، تلك المجتمعات التي تتكون من جماعات دينية أو ثقافية أو عرقية مختلفة، وتم وسمها بالفشل والتخبط نتيجة لتضارب مراكز القوى الكثيرة فيها.
غير أن لهذه الطبيعة المجتمعية تأثيراتها الايجابية كما السلبية على مستوى فردانية المنتمين لها، فهذه البيئة المتنوعة تسهم بشكل عرضي (أو غير قصدي) في إغناء التجارب الفردية، من خلال التماس المباشر مع الآخر، والتعرف على الثقافات المختلفة وتشكيل الاختيارات 
والخبرات. 
كما أنها تضعف بشكل ما، سلطة الذوق العام على الذوق الخاص، نتيجة لتنامي التعاطي الدبلوماسي مع الأذواق المختلفة، وتهجين التناقضات الثقافية في إنتاج أشكال جديدة أو مغايرة في التنوع. 
و بالتالي، تسهم في توسيع دائرة الحريات الشخصية والحقوقية 
للأفراد.
بيد أن هذه الإفادة التي ترسيها هذه الطبيعة المتميزة، تدفع باتجاه مقابل ومناقض، إلى القوقعة والتعصب والتماسك الاجتماعي، للحفاظ على الهوية الثقافية الواحدة، والمصالح المشتركة، وبشكل حاد عند التعرض للتهديد، الذي تستشعره الجماعة في أي خطر. 
فيجنح الأفراد فيها إلى  الالتزام بالقيم والأخلاقيات والمقاييس التي تتطلبها الجماعة (الجماعة الخاصة)، في سلوكياتهم واختياراتهم وأذواقهم وخبراتهم على حساب التنوع 
القائم. 
كما تلعب الجماعة المرجعية، التي تؤثر هذا التأثير المباشر في الفرد، دوراً مهماً في حالات الضغط،  لا سيما على الأفراد الذين ينتقلون مجتمعياً، أو  في تكوين المواقف والتكيف في جميع الظروف.
وتغذي السلطات السياسية والدينية، مشاعر التضامن والانصهار في الجماعات الضيقة، ببث الخطابات التي تدعو للمصلحة العامة للجماعة، وذم الفردانية والتوجهات 
الخاصة. 
فتوجهات جميع الأديان تتناقض مع الأفكار الفردية، التي تقف موقفاً معاكساً للروح الجماعية، وتدعو مؤمنيها الى ضرورة التزام الأفراد بالمبادئ الدينية، التي تدافع عن أهداف ومصالح المجموع لتحقيق 
الخلاص. 
وتسير على نحوها في العمل القوى السياسية، بتحشيد الجماهير بوازع الاقناع أو الخوف للاعتزاز بالهوية حتى الانعزالية.
  وفي المنحى الاقتصادي، يرد عالم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركهايم،  تفعيل الفردانية في الأساس إلى نظام تقسيم العمل الذي يعتمده المجتمع، الذي لا يلبث أن يتطور ويدخل في نفسية الفرد،  بحيث يزيد حرياته ويحفظ حقوقه في إطار القانون الذي يحمي الحريات الفردية، أو يقمعها ويقمع معها الفردانية تبعاً للنظام السياسي- الاقتصادي الذي يُحتكم له.
يبقى أن التطور التكنولوجي والانفتاح العالمي، الذي صاحبه، عززا من واقع الفردانية على صعيد عالمي، بعد التعرف على الثقافات المختلفة والتماس التعددية بأفقها العالمي الأوسع.
 
 * كاتبة لبنانية