د.حامد رحيم
الاقتصاد السياسي واحدٌ من الفروع المهمة لعلم الاقتصاد، الذي يعالج التداخلات بين الاقتصاد والسياسة والتأثير المتبادل بينهما، اذ يتناول قضايا كثيرة منها، اثر الموازنة في السياسة ومدى تأثرها بالمتغير السياسي وقضايا توزيع الدخل والثروة وآلية تعاطي الاقتصاد المحلي مع الاقتصاد الدولي ودور المتغيرات السياسية في ذلك وغيرها الكثير.
اما الاستثمار الاجنبي المباشر فالمقصود به ذلك الفعل الاقتصادي الاستثماري، الذي يقوم به فرد أو منشأة اقتصادية سكنه او مقرها في البلد الأم والمشروع في بلد اخر (بلد مستقبل) مع توافر القصد بادارة ذلك المشروع لإنتاج سلع او خدمات، اما دلالة (المباشر) فتأتي لتميز هذا النوع عن الاستثمار الاجنبي غير المباشر، الذي يعني المضاربة والتربح من شراء اصول مالية تطرح في اسواق
المال للبلد المستقبل.
الاشارة هنا الى الخطوات الاخيرة التي اقدم عليها العراق في اطار هذا اللون من الاستثمار مع الشركة الفرنسية (توتال) والبالغ قيمة عقدها 27 مليار دولار والاميركية (بيكر هيوز) والبالغ قيمة عقدها 370 مليون دولار، اضافة للعقود المبرمة مع دول آسيا المهمة مثل اليابان وعقود موانئ ميناء ام قصر وكوريا الجنوبية، وعقودها الكبيرة والصين وحتى شركة سيمنز الالمانية والتي تراوحت عقودهم بين الاستثمار والمقاولة، اضافة الى القطاع النفطي
وتبعاته.
وبعيدا عن الاثر الاقتصادي الصرف المتمثل بالجوانب الايجابية المتمثلة بتحديث البنية التكنولوجية وزيادة الانتاج وسد النقص الحاصل من السلعة محليا والاثار السلبية المحتملة المتمثلة بالمستوى التكنولوجي العالي المحتمل، الذي يمتاز بأنه كثيف راس المال خفيف العمل والذي قد لا يتوافق مع مستوى البطالة المرتفع وتحويلات الارباح المحتملة وغيرها من المتغيرات، سيتم التركيز على الاثر السياسي المحتمل لهكذا خطوات.
إن واقع الحال يحتم التعامل مع المنظومة الدولية لغرض تحقيق الاستقرار الداخلي للشروع بالتنمية الاقتصادية ( إن كانت هناك نية لذلك)، وهذا الاستقرار يتم عبر ايجاد السبل الكفيلة لتشابك المصالح وانشاء افضل علاقات مع المحيط الاقليمي والدولي، ولهذه المتغيرات شروط يجب توافرها اهمها هو ايجاد المشتركات التي تقوم على المصالح المتبادلة، فرأس المال يعد ركيزة مصلحية مهمة تبحث غالبا عن الاستقرار وتقليل المخاطر، وهنا نقطة الالتقاء المصلحية، حيث إن ظرف العراق الحالي مضطرب وكل هذه الدول مهمة في اطار النظام الدولي، خصوصا اوروبا الغربية واميركا لما تشكله من ثقل دولي كبير.
ان هكذا سياسات استثمارية تدلل على ان العراق يخطو نحو اشراك المجتمع الدولي في واقعه المعاش اقتصاديا، الامر الذي يصنع وحدة هدف متمثلة بالاستقرار الداخلي للعراق، اذ سوف يسخر جهودا مهمة لتلك الدول تعمل على وضع العراق على اجنداتها الخارجية، بالشكل الذي يدعم مواقفه نحو ايجاد الاستقرار السياسي والامني، فالدول لا تتحرك بمعاير أخلاقية بل الجانب البراغماتي النفعي هو المحرك وخير ما يمثل العمق المصلحي للدول هو رأس المال.
إن الجدل المدرسي الاقتصادي في هذا الاطار طويل جداً والظاهر سيطول في ظل الاندفاع الكبير للشركات العابرة للحدود، وما يقابلها من محاولات تحصين بالضد منها عبر التنظير المشككة في جدوى هذه الاستثمارات او التركيز على الاثر السياسي ومتعلقاته من فرضيات الهيمنة وغير ذلك، ونحن في العراق علينا ان ننظر الى الاثر المحتمل في الاجل الطويل عبر قراءة المحورين الاقتصادي والسياسي لهذا النشاط الاستثماري، للخروج بأعلى العوائد وبأقل تكاليف وهذا يستلزم نضوجا سياسيا، ربما غير متوافر، لذلك سوف يقتصر التحليل على الظرف الآني نتيجة للأوضاع السياسية والأمنية والعلاقات المربكة مع المحيط الاقليمي والدولي.
إنَّ التفكير البراغماتي بالنسبة للعراق ينبغي (كما ذكر انفا) ان يرتكز الى تحقيق المصالح فقط، من دون أن يكون هناك ميول سياسية محورية تستند الى رؤية ايديولوجية، فالعراق حاليا له شراكات اقتصادية مهمة مع المحيط الاقليمي وحتى عالميا كما وضحنا مع دول آسيا وأوروبا، لكنها تبقى قلقة اذا غاب الربط الاميركي المصلحي مع العراق، لما تملكه أميركا من قدرات تأثير كبيرة في الواقع العالمي وملف العراق خصوصا.
إذن لا بد من استخدام ميزاتنا الاقتصادية كون الاقتصاد العراقي يعد سوقا واعدة جدا وفرصه الاستثمارية كبيرة جداً، وهنا مكمن السلوك الافضل نسبيا لاستخدام الاقتصاد السياسي لتحقيق الاستقرار العام في الداخل العراقي. الاقتصاد ثم الاقتصاد هو السبيل الامثل لخروجنا من دوامات الفوضى والرهانات الضيقة.