عبدالزهرة محمد الهنداوي
كتبت، وكتب الكثيرون غيري عن ملف الديون، الذي أصبح من أكثر الملفات تداولا في المجموعات الواتسابية، والمنتديات والمؤتمرات، والحوارات التلفزيونية، وعندما أتحدث عن الديون، فإنني لن آتي بجديد، بقدر ما هي محاولة لتفكيك هذا الملف، وتبديد جزء من المخاوف المتنامية لدى الناس خشية من تفاقم حجم الديون، الى المستوى الذي يمكن ان يؤدي الى حالة من الانهيار
الاقتصادي. وهنا يمكن القول، إن الدين يمثل عبئا ثقيلا على الاقتصاد، لا سيما اذا كان هذا الدين استهلاكيا لان مثل هذا النوع من الديون في حال الاستمرار عليه، ربما يؤدي الى حدوث حالة من العجز عن السداد، ما يضطر المدين الى الخضوع لشروط الدائن، التي قد تكون قاسية ومرهقة، تصل في بعض الأحيان الى رهن مقدرات البلد المدين بالكامل، وهنا نكون وصلنا الى أخطر مرحلة، وهي مرحلة الانهيار الكامل.
في المقابل، لا تكاد دولة في العالم، ليس عليها ديون، ولكن مع وجود تباين واضح بين دولة وأخرى، وفقا لامكاناتها الاقتصادية، وتنوع مصادر دخلها، ومدفوعاتها الانفاقية التشغيلية والاستثمارية، وصادراتها
والواردات.
وفي الحديث، عن ملف الدين العراقي، فإن حجم الدين بشقيه الداخلي والخارجي، قد تفاقم كثيرا خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل الأزمات المزدوجة التي ضربت البلاد عامي 2014 (داعش والنفط) و2020 (كورونا والنفط)، إذ اضطرت الحكومة، خلال هاتين الأزمتين الخانقتين الى الاقتراضات الداخلية والخارجية، لتغطية النفقات الاساسية التي تشمل الرواتب والأجور، وتأمين الجانب الصحي، والغذائي (البطاقة التموينية)، وكذلك الجانب الأمني.
ومما لا شك فيه، إن كل بلدان العالم، تعرضت لأزمات مشابهة، خصوصا أزمة الجائحة الأخيرة، التي تسببت بأحداث شلل تام في الكثير من الاقتصادات، بسبب عنصر المفاجأة فيها، ولكن ما لبثت تلك البلدان، ان استعادت زمام المبادأة، والذي مكّنها من المواجهة، هو امتلاكها لمصادر متعددة للموارد، ولديها قواعد صناعية وزراعية واستثمارية رصينة، أما الوضع في العراق، فهو مختلف
تماما.
نعم، لقد كانت المعركة شرسة في مواجهة أزمة كورونا، وتمكنا فعلا من تحقيق انتصار غير مسبوق في هذه المعركة، ولكن هذا الانتصار بالتأكيد كلفنا كثيرا، من خلال التداعيات الكبيرة والخطيرة الناجمة عن تلك المعركة، ومثل هذا التداعيات كان بالإمكان ان تكون أقل وطأة، لو كانت لدينا مصادر متعددة، غير النفط، الذي كانت ضربته قاسية عندما انخفضت أسعاره بنسبة اكثر من 60 %، وهذا هو السبب الذي اضطر الحكومة الى الاقتراض والاستدانة، لسد النقص الحاصل في الايرادات.
ومع خطورة تفاقم الدين، إلّا أن الدين العراقي، ربما مازال في المنطقة البرتقالية، ولم يصل الى المنطقة الحمراء بعد، ومن هنا يأتي البحث عن حلول ومعالجات، وفي مقدمتها، تنويع مصادر الدخل، وتوفير بيئة أفضل للاستثمار، وعدم الذهاب الى الاقتراض إلّا عند الضرورة القصوى، وان تقتصر هذه الديون على الجانب الاستثماري
حصرا.