د. حامد رحيم
سوق النفط العالمية تعد واحدة من أبرز الأسواق التي تصدق عليها عبارة (عدم الاستقرار) في إطار المسار الزمني المتوسط والطويل الأجل، وفي اغلب الاحيان حتى في الأجل القصير، والسبب في ذلك يعود الى طبيعة المتغيرات الداخلية والخارجية المؤثرة على ظروف السوق، وبالاخص الخارجية التي تشمل العوامل السياسية والازمات الدولية والدورات الاقتصادية لدى الدول المستهلكة وحتى سياسات الوكالة الدولية للطاقة وغير ذلك الكثير.
المهم ما هو تصنيف السوق اقتصادياً؟، وكيف نفسر خلاف الاسعار بين المنتجين وبالخصوص الولايات المتحدة الاميركية ومنظمة اوبك؟، ولغرض الاجابة عن السؤالين هناك ثلاث مؤشرات تحدد طبيعة السوق سنتطرق لها باختصار.
من الملاحظ أن اسعار النفط متذبذبة الى حد كبير ارتفاعاً وانخفاضاً والفجوات السعرية في السلسلة الزمنية كبيرة نسبياً، إذ نجد (120 $ مقابل 20 $) وبالرغم من ذلك فإن الكمية المطلوبة لا تتأثر كثيراً بهذه التقلبات وتميل نحو الاستقرار، أي أن الارتفاع السعري لا يقلص حجم الطلب ولا الانخفاض يرفعه، وهذا يعني ان (مرونة الطلب السعرية) منخفضة جداً قريبة من ان تكون معدومة، وهذا المؤشر الاول.
من جانب آخر فإن اقطاب السوق من المنتجين لاتكاد تمر مدة زمنية محددة إلا وانعقدت الطاولة التفاوضية في اطار تنظيم الانتاج النفطي، وهذا واضح خصوصا في اجتماعات اوبك وروسيا مما يعني ان السياسات الانتاجية هي عبارة عن (ردود افعال) بين المنتجين، أي أن هناك اعتمادية عالية بين المنتجين مما يعطي المؤشر الثاني لتصنيف السوق.
أما الاستثمار في انتاج النفط وامكانية مزاحمة المنتجين فهي محدودة جداً لسببين؛ أولهما أن النفط موجود في الطبيعة بأماكن محددة من دون الاخرى، ومن ثم فإن انتاجه مقتصر على الوفرة الطبيعية، أما السبب الثاني فيتعلق بالمستوى التكنولوجي العالي جداً وضخامة رأس المال المطلوب للوصول الى انتاجه صناعيا على غرار النفط الصخري، مما يعني أن الولوج الى السوق صعب جدا. وعند هذا المؤشر يتضح لنا ان سوق النفط هو (سوق احتكار قلة)، إذ إن المؤشرات الثلاثة هي الفيصل في تحديد سوق الاحتكار او المنافسة.
إن التوصيف مهم لوضع السياسات النفطية بالنسبة للمنتجين وما يهمنا هو العراق كونه يمثل عضوا اساسا في اوبك التي تسهم بنسبة تقترب من 33 % من الانتاج الكلي للنفط، وهذا يدفعنا الى ضرورة ان نعزز ما نملكه من ميزة نسبية في هذا الاطار اي المزاوجة بين التخفيف من النمط الريعي وهيمنته على الاقتصاد وبين تعزيز وجودنا في السوق النفطية العالمية. إن مستقبل النفط كونه سلعة غير مرنة تعزز وجودها الاحتكاري سيطول نسبيا كون البدائل مازالت غير ناهضة، كما ان التكنولوجيا البديلة للنفط مازالت مكلفة جدا يصعب على دول مستهلكة كبيرة مثل الهند واميركا الجنوبية وغيرها لا تتمكن من احداث نقلة كبيرة نحو البدائل، وكل ذلك يدفع نحو صدارة النفط، لكن يجب ان نستغل الايرادات باتجاه تعزيز الاستدامة عبر الصناديق السيادية المتنوعة.