السياسة الدولية ولعبة الحرب

قضايا عربية ودولية 2021/12/21
...

علي حسن الفواز
المشهد السياسي الدولي محتدم بالصراعات، والتلويح بحروب قادمة، وربما بأوهام قادمة، لكنّ من يصنع هذه الحروب، عليه أن يفكّر بنهايتها، وهذا هو «مربط الفرس» كما تقول الحكمة العربية، فرغم أن المحاربين الدوليين غلاظ، وبحيازتهم أسلحة فائقة العنف والتدمير، فإنهم خائفون من النهايات التراجيدية، ومن الإفلاس العالمي، فضلا عن أن العالم لم يعد محمياً، لا بالحصون والقلاع، ولا بالأساطير، وحتى حكايات الدروع الصاروخية لم تعد فاعلة وحامية من الجحيم..
الصراع والتهديد المسلح له مرجعيات اقتصادية أولاً وسياسية ثانياً وإيديولوجية ثالثاً، وأن ما يرسمه البعض لهوية هذا الصراع لا يعدو أن يكون تمثيلاً لفكرة الهيمنة، وللتعبير عن فلسفة القوة، وضبط إيقاع حركة المال والأسواق في العالم عبر الشركات والمؤسسات التي تنظر  للدول بوصفها أسواقاً لتصريف بضائعها ليس إلّا، وهذا ما يجعل جغرافيا تلك الحروب قريبة من الممرات المائية، في البحر الأسود، وبحر البلطيق وبحر الصين والبحر العربي والبحر المتوسط، إذ لم يفكر أحدٌ من زعماء الحرب بصحراء رومل مثلاً.
اختيار أوكرانيا لحرب محتملة، ولغزو عسكري روسي له مرجعياته الاعلامية والسياسية، وحساباته الأمنية، ليس لأن اوكرانيا تريد من الحرب أن تكون فرصة لدخولها الى المعسكر الأوروبي، بل لوضع الاقتصاد الروسي، وهي رغبة أميركية، أمام اختناقات معقدة، لاسيما الغاز، والسلاح والكافيار وغيرها، فضلا عن الرغبة الغرب-أميركية في عزل سياسات الرئيس الروسي بوتين عن التأثير في الصراعات العالمية، وعن علاقته الستراتيجية مع الصين، واختياره لسياسة نقض المشاريع التي يطرحها الأميركان والغربيون.
هذه الحرب المتروكة على الطاولة دائما، أو بين خفايا خطب الرؤساء ووزراء الدفاع ومستشاري الأمن القومي لن تحدث أبداً، لأن مساحاتها غير محدودة، ولأن ضحاياها العالم كله، ولأن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى منصات الحرب السبرانية تكفي للتنفيس عن أوهام تلك الحرب النووية، وربما يذهب الكثير منهم الى لعبة توزيع الحصص الدولية، وبضمانات الأسواق والبنوك والممرات المائية، لكن الحرب الاشهارية ستظل صاخبة، وعبر استعارات مفتوحة، وهي تعيدنا الى مقولة الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول الذي قال في الستينيات باستحالة تحوّل الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الى حرب ساخنة.