حبُّ البقاء هو المحرّك الأول لكل كفاح الإنسان على الأرض. إنه يريد أن يبقى بأيّ ثمن، لكنه لا يريد أن يحيا كيفما اتفق، بل يرغب في حيازة طريقته الخاصة في الحياة. حتى حاجاته الأساسيّة كالأكل والشرب والملبس والسكن تحوّلتْ شيئاً فشيئاً، بفضل الرغبة في التميّز، إلى فنون: الطبخ والأزياء والعمارة.
فنّ العيش أمر ملازم للعيش نفسه. وأغلب حروب الأرض كانت دفاعاً عن طريقة للعيش لدى أمةٍ من الأمم، لكنّ الفضاء الرحمانيّ لوسائل التواصل الفائقة مع موجات الهجرة وإعلاء حقوق الإنسان وفرضها كشرعةٍ أممية، كل ذلك خفف كثيراً من التغالب والاحتراب وسمح لطرائق الحياة المختلفة بأن تتعايش نوعاً ما بسلام.
وحدها العقول البدائية ظلتْ تطالب بطرد كلّ من يخالفها في طريقة عيشها. سمعنا كثيراً في أدبيات السياسة الأميركية القول الذي بات شائعاً "نمط الحياة الأميركية" وكان يُطلق لمواجهة ما يسمونه "إرهاباً إسلامياً"، ومثله الدعوات التي تتطاير في مضاربنا السعيدة عن "غزو" أخلاقيّ واحتلال ثقافيّ غربيّ لمحاربة طريقتنا المثلى في العيش.
كلّ جيل جديد يأتي ومعه عدّة أخلاقية مغايرة ورؤى وتصوّرات مختلفة عمّا يجعل من حياته فناً. ومن العبث، بل من الجنون، إنكار حقّه في عيش حيواته كما يحب، لكنْ تحت سقف القانون الأعلى من الجميع.
من أجل ذلك أنشئت القوانين والأنظمة. من أجل أن يلتئم تحتها المختلفون، وأن لا يظهر مرشدٌ أو واعظٌ أو ناصح ويعيد علينا مقولة فرعون الذي حذّر أتباعه من موسى وهارون بقوله :"يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى".
إذا أردنا أنْ لا نصبح فرعونيين أو ترامبيين، علينا أن ندرك أنه ما من "طريقة مثلى" إلا بتعدّد هذه الطرائق وتعايشها.