تنويع القاعدة الإنتاجيَّة ودعم القطاع الخاص

اقتصادية 2022/01/03
...

 بغداد: حيدر فليح الربيعي 
حذر استاذ الاقتصاد، في كلية اقتصاديات الأعمال بجامعة النهرين، الدكتور ستار البياتي، من مخاطر الابقاء على سياسة “الريع النفطي” في دعم موازنات البلد المالية، مؤكدا أن تلك السياسة مرتبطة بشكل كبير بالتقلبات السعرية “للذهب الأسود”، والتي يمكن أن تعرقل الخطط والمشاريع التنموية حال انخفاض أسعار البترول عالميا، داعيا في الوقت ذاته، الى ضرورة انتهاج سياسة اقتصادية تعتمد بالدرجة الأساس على “فك الارتباط بين الريع النفطي والاقتصاد الوطني” وكذلك العمل وبشكل حثيث على “تنويع القاعدة الانتاجية”.
ويُعوّل العراق بشكل شبه كلي على الايرادات النفطية في دعم الموازنات المالية والمشاريع الاستثمارية وفي تغطية أغلب الاحتياجات الخدمية، وهو الامر الذي يحذر منه بشكل مستمر خبراء الاقتصاد، الذين يرون في “الاقتصاد الريعي” خطورة كبيرة أثرت في مجمل الانشطة الاقتصادية، لاسيما ان البترول يسهم بحوالي (60 %) في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، في حين لم تتجاوز مساهمة القطاعين الزراعي والصناعي نسبة (5 %) و(2 %) على التوالي في تكوين الناتج المحلي الاجمالي.
 
تحديات اقتصاديَّة
ويرى البياتي، خلال حديثه لـ{الصباح» أنه «وفي ظل الاقتصاد الريعي لا تهتم الحكومات كثيراً بحيوية النشاط الاقتصادي، وتفعيل دور القطاع الخاص، وخلق حالة من النمو المستدام او التوجه صوب تنويع مصادر الايرادات العامة، لأن الحكومات في تلك الحالة تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط» مبينا أنه ونتيجة لذلك «يواجه الاقتصاد العراقي باستمرار تحدياً اقتصادياً كبيراً يتمثل بالتذبذب في اسعار النفط (ارتفاعاً وانخفاضاً) لكون السوق النفطية هي سوق مشترين (مستهلكين) وليست سوق بائعين (منتجين)، إذ إن الاسعار وصارت حتى الكميات المنتجة والمصدرة من النفط تحددها السوق النفطية العالمية».
واستذكر البياتي، ما عانى منه العراق خلال عامي 2014 و2020، نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط وانحسار الايرادات المالية، الأمر الذي تسبب بخلق حالة من عدم التوازن في السياسة الاقتصادية التي تنعكس بدورها على التخطيط والقرارات الاقتصادية والتنموية، مشيرا الى أن عامي 2019-2020، شهدا ارتفاعا في الدين العام للعراق بسبب انخفاض اسعار النفط وانتشار جائحة كورونا، أي الصدمة المزدوجة التي تعرض لها الاقتصاد العراقي، دفعته للجوء الى الاستدانة الخارجية والداخلية، وأن تصاعد نمو الدين هذا بدوره يؤدي الى عجز مزمن ومتراكم في الموازنة العامة للدولة.
 
اقتصاد أزمات
ويرى استاذ الاقتصاد، أن العراق ووفقا «للاعتماد الكلي على الايرادات الريعية» فإن خياراته محدودة، وهو اقتصاد أزمات، يبقي على حالة الاضطراب وتدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما أن الاقتصاد العراقي كان قد شهد تباطؤاً كبيراً في عام 2020، وانخفاضاً في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة (4،7 %)، وهي الاختلالات الناجمة عن «السياسة الريعية» التي اهملت بشكل مخيف الجوانب الانتاجية الاخرى للاقتصاد الوطني، لا سيما الصناعة والزراعة، اللتين بمقدورهما تحقيق مشاركة كبيرة في الاقتصاد الوطني، متمثلة في زيادة الناتج المحلي واستقطاب اليد العاملة ومد الاسواق المحلية باحتياجاتها من السلع والمواد التي يتم استيرادها في الوقت 
الحالي.
 
حلولٌ ومقترحات
واشار الدكتور البياتي، الى أن هذا الوضع الاقتصادي المؤسف يضعنا أمام بديلين لا ثالث لهما، يتمثل الاول “بحتمية فك الارتباط بين الريع النفطي والاقتصاد الوطني لغرض إنهاء حالة هيمنة الحكومة على الاقتصاد، والتوجه نحو اقتصاد السوق عن طريق المباشرة بدعم القطاع الخاص كخطوة أولى، لضمان الجدية ومراعاة خصوصية الاقتصاد العراقي”. ولفت استاذ الاقتصاد الى أن الحل البديل الثاني، يتضمن ضرورة “تنويع القاعدة الانتاجية للاقتصاد، لتقليل اعتماده على القطاع النفطي وتبعيته الى السوق النفطية الخارجية، لأنها تتميز بتقلبات أسعار النفط الخام، مبينا أن “كلا البديلين يكمل بعضهما البعض الآخر، لا سيما اذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن عملية تنويع القاعدة الانتاجية تأخذ مشروعيتها وبموضوعية من التنوع الذي يتميز به العراق من حيث، مصادر المياه، الموارد البشرية والاقتصادية، مؤكدا أن التاريخ الاقتصادي للعراق يبين أن الزراعة فيه كانت مزدهرة ومتنوعة، ويمكن أن تلبي الطلب المحلي، مع فائض للتصدير بعد زيادة المعروض السلعي، الأمر الذي يدعو الى تبني السياسات الاقتصادية الرشيدة التي تضع مصلحة العراق أولاً، لحل المشكلات التي يعاني منها باستمرار كمشكلتي البطالة والفقر، وقلة الايرادات العامة، وعجز الموازنة، ومن ثم زيادة المديونية الخارجية والداخلية.
 
مواجهة الأزمات
كما اشار البياتي، الى أنه «وفي ضوء السياسة الاقتصادية الكلية التي تأخذ في حساباتها حتمية التنويع الاقتصادي والتخلي عن الاعتماد الكلي على الريع النفطي، يمكن مواجهة جميع الأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية»، مشترطا في ذلك الامر «أن تأخذ هذه السياسة في حساباتها استثمار جميع الموارد المالية من مصادرها المختلفة، مثل المنافذ الحدودية، السياحة بأنواعها، الضرائب والرسوم الجمركية، إذ لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة من دون التمويل المستدام الذي يعتمد على مصادره
 الوطنية».