ثقــافة العنــف

ثقافة 2022/01/04
...

برهان شاوي

 في التفاتة ذكية من الشاعر والكاتب الراحل حميد العقابي، في مقال له، ذكر أنه من خلال متابعته لما يكتبه الأدباء، لا سيما بعد سقوط الصنم وسقوط نظام البعث الدموي، انتبه لقاموس العبارات المستهجنة التي يتعامل بها الكتاب. فقد عدّ في بضع مقالات ما يقرب من الثلاث والثلاثين مرة عبارة (وجه فلان صفعة إلى..) أو (وجه الشخصية الفلانية لطمة إلى..)، منبها إلى تغلغل ثقافة العنف في لا وعي الكاتب العراقي بحيث تتجلى حتى في أبسط حالات تعبيره عن فكره أو خطابه اللغوي
اليومي!! 
كل هذا في زمن الحرية.. ومن قبل كتاب هم بالأساس كانوا من ضحايا النظام الفاشي في العراق.. فكيف بكتاب النظام نفسه، وما اجترحوه على مستوى الإبداع واللغة خلال ثلاثة 
عقود ونيّف...؟؟
لقد حاول بعض الكتاب العراقيين تفحص الخطاب الثقافي والفني في العراق خلال حكم البعث. وأحيل هنا إلى كتبٍ صدرت خارج العراق قبل احتلاله وسقوط النظام، منها كتاب الباحث العراقي كنعان مكية (جمهورية الخوف)، وكتاب (ثقافة العنف في العراق) للكاتب الروائي (سلام عبود) وكتاب (في مأزق الثقافة الفاشية) للشاعر شاكر لعيبي، وكتابات ومقالات مختلفة للكاتب (زهير الجزائري) وللمرحوم (هادي العلوي) 
وغيرهم.
أما النصوص التي تناولت هذه الفترة على المستوى الإبداعي فتقف روايات نجم والي (مكان اسمه كميت) و(الحرب في حي الطرب) و(تل اللحم) في مقدمتها، إلى جانب قصص جنان جاسم الحلاوي، وسيرة الشاعر حميد العقابي الروائية (أصغي إلى رمادي)، ورواية (فرج الله القهار) لسعدي المالح، وغيرها من الأعمال الأدبية التي أسهمت في تقديم إشارات مهمة لهذه الفترة الدموية المرعبة من تاريخ العراق. لكن كل هذه الكتابات تشكل شيئًا مبتسرا ومحاولات ناقصة، على أهميتها الفكرية والتاريخية، في الكشف عن عمق الخراب الذي مس
 الثقافة في العراق.
وليس لي هنا سوى ان أستمد بعض الضوء من أنوار المفكر العراقي المرحوم (هادي العلوي)، في هذه العتمة الخانقة عند الحديث عن تلك العقود من السنين التي عاش فيها شعبنا تحت سلطة الإرهاب البعثية، فقد كان متفائلا في مقاله (هذا الطارئ اللجوج)، حينما كتب عن (صدام حسين) ما يلي: (لقد تجاوز صدام جميع الولاة والمماليك العثمانيين في جنوحه التدميري وقوته التنكيلية. ولو جمعنا سيرته إلى سير أسلافه هؤلاء لعادلتها جميعا
وزادت عليها.
وتاريخ الولاة والمماليك معروف ومتداول، ويصعب العثور بينهم على نسخة تامة المطابقة من صدام: فعدد الذين قتلهم صدام يزيد على قتلى أي والي ومملوك عثماني. وأشكال وأساليب التنكيل التي استخدمها صدام ليس لها نظير لدى أي منهم، من غير أن نهمل فارق العصر والمصادر الدولية المتعددة التي يحظى بها دونهم.. من هنا أشعر أن هذا الطارئ اللجوج على تاريخنا هو آخر الطارئين من سلسلة
أسلافه الطورانيين.).