مـــحــنـــة حميد قاسم!

ثقافة 2022/01/04
...

 يوسف أبو الفوز
كتب الشاعر والكاتب حميد قاسم على صفحته في (فيس بوك)، في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، جملة لفتت انتباهي: (كانت أمسية رائعة بحضور نوعي وغياب الأدباء «أصدقائي»)! ونشر معها صورا عن جلسة أدبية له خصصت لروايته الأخيرة (ظهر السمكة).
 
أستوقفني وأثارني، هذا الشعور بالحزن أو لنقل الإحباط الذي أوحت به الكلمات القليلة، بسبب من غياب الأصدقاء، خصوصا، من الأدباء، عن حضور جلسة أدبية مخصصة لكاتب معروف جيدا بمجمل جهده الإبداعي، فما هي الأسباب؟، هل هو شأن شخصي؟، أم شأن عام في حياتنا الثقافية؟، أم أن جميع الأصدقاء ـ الادباء صادف وحصلت لهم ـ كلهم! ـ مرة واحدة، أحداث طارئة عرقلت وصولهم الى المكان؟.
هل هذا العزوف يعكس سيكولوجية معينة عند مثقفنا العراقي، الذي ربما يرى نفسه مبدعا أوحدا، وينظر لغيره بشيء من التعالي، فلا يجده يستحق جهدا لحضور أمسيته؟ أحزنني ان بعضا من قواميس اللغة إذ تذكرنا بان العزوف (اسم من فعل عزف وهو عزوف عن كذا، يعني مبتعد، ممتنع عنه)، فإنها في باب آخر تفيد بأن (رجل عزوف هو من لا يثبت على وفاء أو مصادقة أحد!) أهذا هو ما يجري يا ترى؟ أم ان البعض من الادباء ـ الأصدقاء، يعمل تحت دافع الغيرة ويرى في ان حضوره قد يمنح الكاتب المعني اهتماما يسلط الضوء عليه أكثر مما يستحق، فهو ليس من مقامه وبقامته و.. الخ؟
عانيت شخصيا من هذا الحزن والاحباط أيضا حين وقعت روايتي الأخيرة (مواسم الانتظار) مؤخرا ضمن فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب في اواسط ديسمبر/ كانون العام الماضي في بغداد. كنت وانا على المنصة ابحث بين الجمهور عن وجوه بعض الادباء من المعارف والاصحاب. حرص على حضور مراسيم التوقيع أصدقائي الشخصيين من أيام الدراسة الجامعية، بل وأسرهم، كان هناك حضور جيد من جمهور المعرض، لكني وجدت وبعدد أصابع اليد مثقفين من الذين شخصيا وبشكل مباشر وجهت لهم دعوات للحضور، وكنت قضيت ساعات أوزع الدعوات عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مرفقا معها جملا لطيفة عن الصداقة والأمل والعراق، واحتفظ بقائمة طويلة من هذه الأسماء. وحتى المثقفين الذين التقيتهم صدفة، في شارع أو مقهى او خلال أيام معرض الكتاب في بغداد، استثمرت الفرصة ودعوتهم فوعدوا لكنهم أخلوا بالوعد من دون أي اعتذار!! سألت نفسي يومها بحرقة وألم: أهو موقف شخصي؟، لم أجد ثمة ما يدعو لتصديق هذا التساؤل، فلست على خلاف أو إشكال شخصي مع أي من الذين دعوتهم، وإلا لماذا أدعوهم أساسا؟.
كنت أعتقد ولحين أن ثمة لعنة ما تلاحق (كتاب الخارج)، فالمثقفون والصحفيون (من أهل الداخل) بدا لي أنهم ليسوا معنيين بأي نشاط أو ما يقدمه هؤلاء (المترفون بنعم الحياة الاوروبية) من جهد وإبداع، لكن تعليق صديقي الشاعر حميد قاسم عن جلسته الأدبية وما ذكره عن غياب الادباء ـ الأصدقاء، جاء ليطفئ نيران شكوكي شيئا ما. ولا بد من القول هنا إن الصديق حميد قاسم كان الوحيد الذي حرص على لقائي في بغداد بموعد خاص وقدم لي روايته الجديدة كهدية وزيّنها بإهداء جميل مشترك، لي ولشادمان ـ شريكة حياتي، وقضينا وقتا ممتعا في الحديث عن شؤون الادب والعراق.
إن ما كتبه الشاعر حميد قسم، جعلني أفهم بأن هذه (المحنة) ـ هل هي محنة حقا؟ ـ، محنة حميد قاسم ومحنتي، هي ربما محنة كثير من المثقفين.
نعم، للأسف أعتقد أن هناك ثمة سيكولوجية ما تنمو طاردة للشعور بالمسؤولية تجاه الآخر، تغذيها روح الشللية والاخوانيات التي تفقد الحياة الثقافية روحها الحقيقية وحيويتها المطلوبة.  فيا ترى كم من مثقف بادر وتابع أخبار زملائه وسجل في تقويمه الخاص موعدا لأمسية أو نشاط ما وقرر الحضور؟، هنا أزعم بأن بعض الحضور في الأماسي والأصبوحات يأتي في سياق المجاملة، وفي سياق نشاط اجتماعي عام (اللقاء بأكبر عدد من المعارف مرة واحدة). فأرى هنا أننا بحاجة للكثير، لننفض عنا روح الكسل في تحمل المسؤولية والاحساس بجهد الآخرين واكتشافه والتفاعل معه بروح التلمذة والتواضع والمحبة.
إن جيلا جديدا يا أصدقائي المثقفون ينهض يراقب أفعالنا عن كثب.