تغيير سعر الصرف.. إضافات اقتصاديَّة وآثار اجتماعيَّة خطيرة

اقتصادية 2022/01/10
...

 بغداد: حيدر فليح الربيعي 
تباينت آراء المختصين في الشأن الاقتصادي، بالنتائج التي حققها قرار تغيير سعر الصرف، الذي اتخذه البنك المركزي قبل قرابة عام من الآن، فبين مؤيد يرى أهمية الخطوة في دعم واسناد الاقتصاد العراقي، لاسيما عقب تحقيق ايرادات اضافية نسبتها 23 % من قيمة الايرادات النفطية الدولارية، ودورها في معالجة التشوهات الهيكلية للاقتصاد التي أفقرت المالية العامة وقيدّت قدرة الإصلاح
 
وبين معارض يؤكد أن القرار أثر بشكل مباشر في محدودي الدخل واسهم بمضاعفة أعداد العاطلين وزيادة معدلات الفقر ورفع نسبة التضخم، انقسمت أغلب تلك الآراء التي استطلعتها “الصباح”.وتزامن القرار، الذي أثار جدلاً برلمانياً في حينها، وافضى الى التصويت على “خفض قيمة الدينار أمام الدولار” مع اطلاق “الورقة الاصلاحية البيضاء” التي تبنتها الحكومة بهدف معالجة الاختلالات في الاقتصاد العراقي، والتي اسهمت وفقاً لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 30-12-2021 بتعظيم إيرادات الدولة والاحتياطي النقدي، وتوفير أكثر من 12 مليار دولار من احتياطي البنك المركزي العراقي، ورفع التصنيف العالمي الائتماني للعراق دولياً
 
إيرادات إضافيَّة 
المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، ورغم دفاعه عن القرار، الذي اكد مساهمته بتعزيز الايرادات المالية للعراق، وسد جزء مهم من عجز الموازنة، بيد إنه يرى ضرورة أن تتجه السياسة المالية الى اجراء تعويض عادل للدخل لتقليل الآثار المترتبة على
 القرار. وقال صالح لـ “الصباح” إن “تخفيض سعر صرف الدينار بالنسبة للموازنة العامة، مثل ولادة ما يسمى بـ (التكييف النقدي) اي تحقيق ايرادات اضافية نسبتها  23 % من قيمة الايرادات النفطية الدولارية السنوية للحكومة جراء فروقات التحويل، وهي تعد في الاحوال كافة من باب الضرائب التضخمية، اذ ساعدت الايرادات الضريبية التضخمية في سد جانب مهم من جوانب العجز في الموازنة التشغيلية للعام 2021 وبما يقرب من 20 تريليون 
دينار.
ولفت المستشار الحكومي، الى أنه “وبعد طرح ما يترتب من تخفيض على مدفوعات الحكومة الخارجية، فإن صافي ايرادات الضريبة التضخمية لا يقل تقديرها السنوي عن21 تريليون دينار”.
 
تكيف مالي
ونتيجة للآثار التي خلفها قرار تغيير سعر الصرف، يبين صالح ضرورة «تدارك» مسألتين، تتمثل الاولى بتحقيق تكيف مالي ملازم للتكيف النقدي في الايرادات غير النفطية للحكومة، فالمؤشرات تدلل أن ماهو مخطط من ايرادات غير نفطية في موازنة 2021 هي بنحو 20 تريليون دينار، ولكن عمليا لم يتحقق منها سوى 8 تريليونات دينار، معنى ذلك أن (الايرادات غير النفطية لم تحقق التكييفات المالية اللازمة) بل حل صافي الضريبة التضخمية محل ضعف التحصيل في الضرائب المالية التقليدية، وهو امر يقع على عاتق الادارة المالية في الاحوال كافة.
وأشار صالح الى أن المسألة الثانية، التي ينبغي “تداركها” هي “ارتفاع معدلات التضخم وزحفه الى حافة 8-9 % ما ولد  أثراً يسمى بأثر الدخل النقدي الهابط وانخفاض في القوة الشرائية لدخول الطبقات الفقيرة والمحرومة والمحدودة الدخل، داعياً الى اجراء تعويض عادل للدخل او اعتماد أسس توزيعية ملائمة من خلال توسيع برنامج البطاقة التموينية في الكمية والمساحة، وكذلك تمكين برامج التصدي للفقر في اطار الرعاية الاجتماعية بشكل ملموس واوسع للتخفيف من معدلات الفقر التي تصاعدت.
 
أضرار ومبررات 
من ناحيته، أشار الخبير الاقتصادي، الدكتور بلال الخليفة الى أن “القرار خلّف أضراراً واضحة على شرائح مهمة من الشعب، لاسيما الطبقتان المتوسطة والفقيرة، وأدى إلى ارتفاع أسعار البضائع الاستهلاكية في الأسواق المحلية وزاد من معاناة المواطن البسيط بسبب ارتفاع قيمة المواد في السوق المحلية بنسبة اقتربت من 23 % وبالتالي أضر بأكثر من
60 % من العراقيين.
لكن الخليفة عزا اتخاذ القرار الى جملة أسباب، بضمنها تعزيز الميزانية المالية من خلال توفير ما قيمته 23 % من رواتب الموظفين، وزيادة حجم الاحتياطي النقدي، ودعم الصناعة والزراعة، وتقليل المبيعات للعملة الصعبة.
ورغم جملة الأسباب التي دفعت المركزي الى اتخاذ القرار، غير أن الخبير الاقتصادي، شخص مجموعة سلبيات انتجتها خطوة “تغيير سعر الصرف” واضعا في مقدمة تلك السلبيات ارتفاع مجمل الأسعار في البلاد، وزيادة نسبة البطالة ومستوى التضخم، فضلا عن تراجع قيمة إيرادات الشعب العراقي في القطاعين العام والخاص بنسبة 23 %.
 
احتياجات استهلاكيَّة
ونتيجة لاعتماد العراق على السلع الاستهلاكية المستوردة وبنسبة تصل الى 90 %، وفقا للخبير الخليفة، فإنه يرى ضرورة أن تتجه الحكومة الى «إعفاء المواد الخام (غير المتوفرة محليا) الداخلة في الصناعة المحلية من الضرائب والجمارك، وبالتالي تخفيف العبء على المواطن العراقي»، لافتا في الوقت ذاته الى أن «زيادة الاحتياطيات المالية لم تأت نتيجة تغيير سعر الصرف فقط، وإنما بسبب انتعاش أسعار النفط عالميا، وبالتالي إن أحد التبريرات التي تحجج بها البنك المركزي قد تلاشت» وفقاً للمتحدث.
ويخلص المتحدث الى أن القرار ورغم الفوائد التي حققها بالنسبة للحكومة، لاسيما المساهمة برفع الاحتياطي من العملة الصعبة، كذلك فيه سلبيات أثرت في الاقتصاد العراقي، مثل ارتفاع التضخم وزيادة نسب البطالة، فضلا عن اضراره بالمواطنين من الطبقتين الفقيرة والوسطى.
 
مصدات اجتماعية
بدوره، اوضح الباحث الاقتصادي، بسام رعد، أن القرار، ورغم تحقيقه ايجابية اقتصادية مهمة تمثلت في دعم الموازنة العامة للدولة وتعزيز احتياطيات البنك المركزي أثناء أزمة جائحة كورونا، بيد أن «تخفيض قيمة العملة» كان له وقع مؤلم على عامة المجتمع، نظراً لعدم وجود مصدات اجتماعية لحماية الطبقات الفقيرة. 
ويبين رعد خلال حديث لـ “الصباح” أن “تغيير سعر الصرف كانت له آثار سلبية في القطاع الخاص بشكل كبير، كما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، والتضخم بسبب عدم وجود قاعدة إنتاجية سلعية، حيث إن الاعتماد على الاستيرادات يجعل سعر الصرف احد المتغيرات المؤثرة في المستوى العام للأسعار في الأسواق باعتباره المعامل الذي تتحول بموجبه أسعار السلع المستوردة إلى أسعار بالعملة 
المحلية.