سعر الصرف

اقتصادية 2022/01/11
...

 د. حامد رحيم 
 
تفصح النظرية الاقتصادية بين جنبيها تفاصيل اثر سعر الصرف على النشاط الاقتصادي المفتوح عبر علاقات دالية بالمعنى الكمي، فهو متغير تابع لحركة القيود المحاسبية لميزان المدفوعات الموضحة لحركة العملة الاجنبية الداخلة والخارجة من النشاط الاقتصادي، كما يتأثر ويؤثر كذلك بطبيعة النشاط الانتاجي الحقيقي والنقدي ضمن معادلات 
معينة.
أثار التغيير في سعر صرف العملة الوطنية في العراق، جدلا كبيرا أخذ في أغلبه جانبا سياسيا ومهاترات صنعت ضبابية لدى الجمهور في فهم هذه الخطوة اقتصاديا، كما أن الأثر الاقتصادي كان واضحا في زيادة معدلات التضخم من 
(0.1 %) عام 2019 الى (8.6 %) في آخر احصائية مما وسع رقعة الفقر. إن الغاية المعلنة من تلك الخطوة كانت تشمل على مجموعة متغيرات منها الحد من الاستيرادات ودعم القطاع الانتاجي وتوفير حيز مالي للحكومة لتمويل العجز، لكن طبيعة الاختلال الهيكلي في النشاط الاقتصادي جعل الغاية تلك لا تجد حيزا تطبيقيا فعليا فنافذة العملة عادة لترتفع مبيعاتها اليومية، لتصل كمعدل الى قرابة (200) مليون
دولار.
 كما ان الاستثمار هو متغير تابع الى عوامل اخرى منها الاستقرار الامني والبنية التحتية وغيرها مما يجعل فاعلية تغيير سعر الصرف في هذا الاطار محدودة نسبيا، ربما النجاح الوحيد هو ايجاد حيز مالي للحكومة لتمويل العجز المخطط في موازنة العالم الجاري، وقد رافق ذلك ايضا تضليل واضح في الخطاب متمثل بمحاولة تصوير ان قيمة الانخفاض في الدخل بلغت (22 %) باشارة الى حجم التخفيض في قيمة صرف العملة وهذا غير دقيق لان القيمة المنخفضة، فعلا تعكسها نسبة التضخم المشار اليها، كما إن سبب استمرار معدلات بيع النافذة بهذا القدر يعود الى اسباب تتعلق بالفساد المرافق الى نشاط النافذة المشار اليه في التقارير المعلنة والاهم من ذلك ان الشريكين التجاريين للعراق، وهما تركيا وايران عملتهما الوطنية منخفضة القيمة بشكل يفوق قيمة الدينار العراقي بكثير حتى مع التخفيض الأخير ما أبقى العراق أرضا منخفضة تجاه سيول السلع الواردة من 
الخارج.
إنَّ الأثر المرجو نظريا من تخفيض قيمة العملة الوطنية يشمل على معالجة العجز في ميزان المدفوعات عبر زيادة الصادرات وتقليل الاستيرادات مع ملاحظة أمور يجب توافرها منها مرونة الجهاز الانتاجي الوطني والسيطرة على منافذ التجارة والأهم هو توافر الاحصائيات الدقيقة عن الفئات الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية الانتاجية، التي تعتمد على المستورد لتغذية المدخلات، ومن ثمَّ اتباع سياسات (الرافعة الاجتماعية) لتقليل الأثر السالبي المحتمل على الفئات الاجتماعية كذلك توفير الدعم الاقتصادي عبر سياسات الضرائب والاعانات وغيرها المقدمة للوحدات الاقتصادية.
وفقا لذلك إن السياسات التنموية تتطلب أن يتمَّ التعامل مع سعر الصرف وتخفيضه، لكن بشرط مراعاة كل ذلك أي يجب أن تكون كل تلك السياسات هي سلة واحدة تبدأ من توافر البيانات الاحصائية الدقيقة، وصولا الى ايجاد سياسات ناجعة لمواجهة الاثار السلبية المحتملة، ولعلَّ الميزة التي نمتلكها هي الوفرة المالية الحكومية الناجمة عن مبيعات النفط، الامر الذي يمكن الحكومة من أن توفر موارد مالية للمعالجة.