ماهي حدود التعاون الإيراني الصيني؟

قضايا عربية ودولية 2022/01/17
...

 محمد صالح صدقيان 
 
دخلت اتفاقية التعاون الستراتيجية المشتركة بين إيران والصين حيز التنفيذ خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، نهاية الاسبوع الماضي للصين في حين يستعد الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي للقيام بزيارة مهمة لموسكو في 19 الجاري لدراسة تجديد اتفاقية العمل المشترك الموقعة بين البلدين؛ في الوقت الذي تتواصل المفاوضات النووية في فيينا علی الرغم من مشكلاتها المتعددة التي يسعی الجميع  إلى تجاوزها رحمة بالاتفاق النووي المسجی في غرفة العناية المركزة منذ انسحاب الرئيس ترامب منه عام 2018 . 
الاتفاقية الأولى مدتها 25 عاماً ومخصص لها 450 مليار دولار بينما الاتفاقية الثانية التي أمدها 20 عاماً هي تطوير لاتفاقية كان تربط البلدين لكن تجديدها وتطويرها في مثل هذه الظروف تكتسب أهمية خاصة .
الاتفاقيتان استدارة مهمة وستراتيجية تقوم بها إيران نحو الشرق بعدما انضمت رسمياً لمنظمة شنغهاي للتعاون ؛ حيث كانت تأمل التعامل مع الدول الغربية خصوصاً بعد التوصل للاتفاق النووي عام 2015 ؛ لكن الانسحاب الأميركي وعدم تنفيذ هذا الاتفاق من قبل الدول الغربية والصعوبات التي وضعتها الولايات المتحدة أمام إحياء الاتفاق جعل إيران تفكر بشكل ستراتيجي العمل مع الدول الشرقية علی حساب الدول الغربية التي سببت لها عديد المشكلات التي من الصعب حلها حتی إن تم التوصل لاتفاق وتم إحياء الاتفاق النووي .
إقليمياً ؛ سبقت زيارة عبد اللهيان زيارة مهمة أيضاً قام بها وزراء خارجية كلّ من السعودية والكويت وسلطنة عمان والبحرين إضافة إلی أمين مجلس التعاون الخليجي لفتح باب التعاون مع الصين بعد استياء واضح من قبل أوساط خليجية متعددة لآلية تعاطي الإدارة الأميركية مع المطالب الخليجية . ولا اعتقد أن الخليجين أرادوا من الزيارة محاصرة إيران والطلب من الحكومة الصينية عدم الذهاب بعيداً مع إيران حتی يرتفع الدخان الأبيض من مدخنة فندق باليه كوبورغ في العاصمة النمساوية فيينا . 
حسب المعلومات غير الرسمية فإن الصين تريد استثمار 280 مليار دولار دولار في صناعات النفط والغاز بينما تتجه للاستثمار في مجال النقل 120 مليار ؛ وهما المجالان الحيويان بالنسبة للصين التي تری إيران نقطة التقاء الصين باوربا .
الصين مهتمة بالمفاوضات النووية وهي تعمل مع الإيرانيين علی إنجاح هذه المفاوضات للتوصل لاتفاق يجعل الصين متحررة من أية مشكلات لاتريدها مع الولايات المتحدة لأسباب متعددة اقتصادية وسياسية وأمنية .
الاتفاقية مع إيران جزء من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية وهي خطة بنية تحتية تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات وتهدف الصين من خلالها إلى بناء شبكة واسعة من مشروعات البنی التحتية من شرق آسيا إلی اوربا التي تعتبرها الحجر الأساس لدورها كقوة عالمية منافسة للولايات المتحدة . 
الإيرانيون والصينيون يقولون أن الاتفاقية غير موجهة لأحد لا في المنطقة ولاخارجها وانما تسير باتجاه التعاون والتكامل الاقتصادي ؛ لكن الأكيد أن إيران تريدها عبوراً لقرارات المقاطعة والعقوبات المطبقة عليها والتي يقول عنها المفاوض الأميركي إنها ليست بيد الإدارة الأميركية وانما بيد الكونغرس.
في الداخل الإيراني هناك صعوبات تقنية لتنفيذ هذه الاتفاقية تتعلق بتشكيك أوساط واسعة من الفنيين والمهندسيين والكادر الوسطي بالكفاءة الصينية خصوصا أن إيران اعتمدت خلال القرن الأخير علی العلوم والتقنية الغربية وليس لديها الاطلاع اللازم علی العلوم الشرقية وتحديداً الصينية التي هي ناشئة لايتجاوز عمرها 30 عاماً ؛ لكن الظروف الحالية التي تمر بها إيران والمنطقة والمجتمع الدولي يدفعان بهذه الأوساط إلى الالتحقاق بالبلدوزر الاقتصادي الصيني الذي يريد أن يكون بديلاً عن الدول الاقتصادية الغربية الكبری . 
ليست خطوة تعيين سعيد محمد بمنصب رئيس المناطق التجارية والصناعية الحرة في إيران خطوة عادية وانما هي خطوة مدروسة لتنمية هذه المناطق وفق هندسة جديدة تأخذ بنظر الاعتبار الاستثمارات الصينية في هذه المناطق ؛ خصوصا أن هذا الرجل كان مسؤولاً لمقر خاتم الأنبياء الهندسي التابع للحرس الثوري المختص بقضايا البناء والإعمار ؛ في الوقت الذي ترغب فيه الصين بالاستثمار في ميناء ومنطقة جاسك الحرة الواقعة عند مدخل مضيق هرمز علی المياه الدولية إضافة إلی جزيرتي قشم وكيش الواقعتين بالقرب من مدينة بندر عباس .
لا توجد معلومات دقيقة عن رغبة إيران في إعطاء امتيازات عسكرية للصين في مناطقها لكن تطورات الأحداث وعلاقات إيران مع محيطها الخارجي ربما تدفع البلدين للتفكير بهذا الاتجاه وهي خطوة تحتاج إلى الكثير من العوامل لانضاجها . ويبدو لي أن نتائج المفاوضات النووية التي تجری حالياً في فيينا ربما تشكل “أحد” هذه العوامل لأن استخدام الولايات المتحدة لخيارات بديلة في حال فشل هذه المفاوضات ربما يعجّل بانضاج مثل هذه الأفكار التي لن تكون بسيطة في أحسن الأحوال