ما هي خيارات روسيا العسكرية في أوكرانيا؟

قضايا عربية ودولية 2022/01/20
...

 ترجمة: أنيس الصفار*
الغزو الشامل لأوكرانيا بهدف إشاعة الهدوء في العاصمة كييف والسيطرة عليها سيكون معناه إطلاق "فلاديمير بوتين" حرباً بمقياس لم يشهد له العالم نظيراً منذ حرب العراق في 2003، الأمر الذي حفز الخبراء الغربيين على التساؤل عما إذا كان بإمكان الروس تحقيق نصر دائم.
 
تفيد التقديرات بأن هناك نحو 100 ألف جندي روسي يحتشدون قرب الحدود الأوكرانية، بيد أن الخبراء المتابعين للأزمة عن كثب يعتقدون أن غزو البلد بالكامل سوف يتطلب ما يقارب ضعفي هذا العدد، كما أن من شبه المؤكد أن يتطلب مشاركة قوات تمر عبر بيلاروسيا.
يقول الدكتور "فريد كيغان"، وهو زميل أقدم في معهد المشروع الأميركي: "من المحتمل أن يتطلب الأمر غزواً بمقياس يضاهي غزو 2003، وهذا معناه ما بين 150 ألفاً و200 ألف جندي."
يمضي كيغان في توقعاته فيشير إلى أن قوة بهذا الحجم يمكن أن تكون في وضع الاستعداد بحلول نهاية شهر كانون الثاني. في غزو العراق شارك ما يقارب 175 ألف جندي أميركي مع جنود من الحلفاء الآخرين.
 
هل الاحتلال أمر ممكن؟
يقول كيغان، الذي كتب سلسلة تقارير أسفرت في العام 2007 عن زيادة أعداد الجنود الأميركيين في العراق من خلال عملية "دفق القوات": إن التحدي الحقيقي الذي يواجهه بوتين هو كيف سيتمكن الروس من الاحتفاظ بأوكرانيا التي تبدي روحاً عدائية واضحة، لاسيما إذا اندلعت حركة تمرد عقب الاستيلاء على كييف.
ذكر كيغان في دراسة شارك في كتابتها خبراء آخرون من "معهد دراسات الحرب" أن أي عملية عزوم بهذا الصدد سوف تتطلب توفير عنصر واحد من قوات مكافحة التمرد مقابل كل 20 من أهالي المنطقة، وهذا يوحي بضرورة توفير قوة لمكافحة التمرد بحجم 325 ألف عنصر لمجرد فرض السيطرة على كييف والمدن الأوكرانية الكبرى في الجنوب والشرق.
يفيد "المعهد الدولي للدراسات الستراتيجية" بأن لدى أوكرانيا جيشاً يناهز تعداده 145 ألف جندي، كما أن هناك ما يقدر بـ 300 ألف عنصر من قدامى المحاربين الذين يتولون التعامل مع الصراعات الأخف شدة في منطقة الدونباس من أوكرانيا التي ابتدأت في العام 2014. تفيد استطلاعات الرأي ايضاً بأن ثلث مواطني أوكرانيا مستعدون لخوض "المقاومة المسلحة".
بعد اكتوائها بنار التجربة السوفييتية في افغانستان صارت روسيا ترى في محاولات الولايات المتحدة للاحتفاظ بالبلدان المحتلة رغم وجود حركات تمرد فيها خطأ فادحاً. يقول كاغان: "لا شك أن بوتين قد تأمل بتمعن ما حدث للولايات المتحدة في العراق بعد 2003. لذلك فإن مصاعب التعامل مع نشاطات المقاومة تبقي احتمال عدول الرئيس الروسي عن عزمه على احتلال أوكرانيا مفتوحاً."
 
الأفضليات التي تتمتع بها روسيا
عند الحديث عن عملية غزو أوكرانيا لا مفر من الإقرار بأن موسكو تمتلك تفوقاً طاغياً رغم كل ما قلناه، وأبرز هذا التفوق يتجلى في الصواريخ والقوة الجوية، وفي حالة اندلاع هجوم شامل سوف تواجه القوات الأوكرانية عواقب مرعبة، الأمر الذي قد يفت في الروح المعنوية للبلد ويدفع بملايين الناس إلى الفرار غرباً بدلاً من المواجهة والقتال.
يقول "روب لي"، وهو منتسب سابق في قوة مشاة البحرية الأميركية (المارينز) وزميل في "معهد ابحاث السياسة الخارجية": "لدى روسيا القدرة على محق الوحدات العسكرية الأوكرانية عن بعد بأسلحة مثل صواريخ اسكندر البالستية. لم يسبق لنا ابداً أن شهدنا تأثيرات مثل هذه الأسلحة حين يطلق لها العنان، لكنها تمنح روسيا القدرة على انزال الإصابات بالألوف في اليوم الواحد."
الهجوم العسكري سيكون له أيضاً أثر في تحول الرأي العالمي لأن الإصابات الكبيرة بين المدنيين قد تصل إلى مستوى لم تبلغه أي من العمليات التي نفذها بوتين من قبل، بما فيها حرب أوكرانيا 2014، حين نفيت مسؤولية العمل العسكري عنها. 
يقول الدكتور "سمير بوري"، وهو زميل أقدم في "المعهد الدولي للدراسات الستراتيجية" سبق أن أنفق عاماً كاملاً بصفة مراقب صراعات في أوكرانيا: "من العسير تصور امكانية حدوث غزو شامل من دون اللجوء إلى القوة الجوية، ولكن هذه العتبة مرتفعة اذا ما أرادت روسيا عبورها."
لقد كثرت الأقاويل بشأن مشتريات أوكرانيا من الأسلحة الغربية مؤخراً، ولكن صواريخ "جافلن" المضادة للدبابات لا يتجاوز مداها 2,5 كيلومتر وكل ما يمكنها فعله هو إبطاء تقدم القوات الآلية.
كذلك لدى أوكرانيا حالياً اعداد متواضعة من الطائرات بلا طيار تركية الصنع من طراز (TB2) وهذه قوة ضئيلة حين تقارن بآلاف الدبابات الروسية التي تمثل قلب القوة البرية. 
 
الاستيلاء على كييف
على روسيا أن تقرر أيضاً كيف ستتعامل مع المدن الأوكرانية، وبالدرجة الأساس كييف التي يبلغ تعداد سكانها 3 ملايين، وخاركيف الواقعة في الشمال الشرقي بتعداد سكان يقارب 1,5 مليون. يقول كاغان: "حرب المدن قاسية وتتسبب بخراب مريع وقد عانت روسيا الأمرين منها في حلب." في إشارة إلى تدخل بوتين في الحرب الأهلية السورية.
توحي التخمينات بشأن خطط روسيا، المستندة في جانب منها كما يبدو إلى تسريبات نشرتها صحيفة "بِلد" الألمانية، بأن الكرملين سوف يعمد أولاً إلى تطويق خاركيف ثم كييف في نهاية المطاف وبذلك يقطع خطوط الإمداد على أمل أن يتحقق الاستسلام بأسلوب القرون الوسطى. لو حدث هذا لكان أقل عنفاً، ولكنه مع هذا سيسقط فكرة أن روسيا تعمل كقوة توحيد.
كذلك لن يكون تطويق كييف سهلاً باعتقاد الخبراء الغربيين لأن المناطق الحيوية المهمة من المدينة، بما فيها القصر الرئاسي، تقع إلى الغرب من نهر دنيبر الذي يعد خطاً دفاعياً مناسباً. كذلك فإن أول الجسور إلى جنوب المدينة يقع على مبعدة 100 كيلومتر تقريباً، والسد الواقع إلى الشمال بأكثر من 6 كيلومترات قد أحال شطر النهر الممتد إلى الحدود مع بيلاروسيا إلى بحيرة.
 
الاستفادة من بيلاروسيا 
أيسر السبل لاجتياز النهر هو عبوره من منطقة آمنة .. وآمن هذه المناطق هي بيلاروسيا إلى الشمال. لكن ذلك سيتطلب دعم منسك، وهو أمر مرجح إلى درجة كبيرة نظراً لتوطد العلاقات بينها وبين موسكو مؤخراً. في خطبة لاحياء عيد الميلاد الارثودوكسي في 7 كانون الثاني قال الرئيس البيلاروسي "ألكساندر لوكاشنكو": إن بلاده مستعدة للقيام بأي شيء من أجل استرجاع أوكرانيا. 
القوات الآلية الروسية ستجعل هدفها تطويق كييف من جهة الغرب، وأحد الطرق التي يتيح لها ذلك طريق ينفذ عبر "مستنقعات برايبيت"، التي تتجمد في الشتاء، وكذلك منطقة تشرنوبل (التي لا تعد عقبة تذكر بوجه جيش حديث قادر على العمل في مناطق التلوث الاشعاعي). 
أحد البدائل لذلك سيكون الضرب من منطقة أبعد إلى الغرب داخل بيلاروسيا، مثل ساحات التدريب في "بارانوفيتشي". يقول كيغان: إن نشر قوات روسية ميكانيكية في بيلاروسيا سيدل دلالة قاطعة على أن روسيا أخذت تستعد للتحرك.
حتى لو لم يقرر بوتين الغزو فإن وجود حامية عسكرية روسية دائمية في بيلاروسيا ستكون له مردوداته وفوائده بالنسبة للكرملين كتهديد مستقبلي، لا لأوكرانيا فقط بل لدول البلطيق إلى الشمال ايضاً. تقول "أوريسيا لوتسيفتشي"، وهي زميل باحث في مؤسسة تشاثام هاوس: "مجرد انشاء قاعدة عسكرية كبيرة من شأنه أن يتيح لروسيا الهيمنة الجوية على الخاصرة الشرقية لحلف الناتو."
 
بدائل بوتين العسكرية
المخاطر المحتومة التي تلازم أي عملية غزو أو احتلال هي التي جعلت الخبراء من أمثال الدكتور "تاراس كوزيو"، وهو زميل مشارك في اتحاد "هنري جاكسون"، يطرحون جدلية عبر بحث نشر حديثاً مفادها بأن الهجوم الشامل هو الاحتمال الأضعف بين السيناريوهات العسكرية المتاحة أمام بوتين. بدلاً من ذلك يرى الخبير الأوكراني وجود ثلاثة خيارات بديلة.   
الخيار الأول هو أن تقوم روسيا باحتلال وضم ذلك الجزء من الدونباس الذي يسيطر عليه الانفصاليون، وهو غزو جزئي يحاكي أزمة جورجيا في 2008 التي ابتدأت، كما يقول كوزيو، عقب استفزازات عسكرية متكررة قام بها وكلاء مرتبطون إلى أن تمكنوا من جر القوات الجورجية إلى التدخل، وبذا حصل بوتين على الذريعة المطلوبة للرد. 
الخيار الثاني يتمثل بتوسيع رقعة المنطقة المحتلة عن طريق ممر أرضي يمتد إلى شبه جزيرة القرم، التي ضمت في وقت سابق، ومن بعد ذلك الاستيلاء على مدينة ماريوبول الساحلية. بوسع روسيا أيضاً أن تسيطر على مواقع صناعية مهمة أخرى ثم تحاول إنهاك الجيش الأوكراني القريب منها. يقول روب لي: إنهم سيتمكنون بذلك من اخراج سلاحي الطائرات المسيرة تركية الصنع من طراز (TB2) والمدفعية من ميدان عمليات الدونباس في حملة عسكرية معلنة محدودة النطاق مصممة لإضعاف أوكرانيا.
الخيار الأخير، كما يقول كوزيو، هو إحياء "مشروع روسيا الجديد" للعام 2014. هذا المشروع يسعى لقطع أوكرانيا عن البحر الأسود وهو بمثابة استيلاء على الجنوب وفرض السيطرة على ميناء أوديسا، وربما مدينة دنبرو الصناعية ايضاً.
السيطرة على أوديسا، التي يبلغ تعداد سكانها مليوناً، قد تتطلب عملية ضخمة تشارك فيها القوتان الجوية والبحرية، حيث تستدعى قوات المظليين من القرم ثم يتبع ذلك انزال يقوم به مشاة البحرية على السواحل القريبة.
من شبه المؤكد أن يحظى احتلال الدونباس بشعبية أكبر في روسيا من بين الخيارات الثلاثة، لكنه سيكون رداً محدوداً للغاية بالقياس إلى تأكيدات الكرملين المتكررة على أن هدفه الرئيس، وفقاً لتصريحات "سيرغي رايابكوف" نائب وزير الخارجية الروسي، هو منع تمدد رقعة حلف الناتو إلى جانب منع انضمام أوكرانيا وجورجيا ودول أخرى إلى التحالف، الأمر الذي يثير المخاوف من أن تكون الحملة العسكرية احتمالاً قائماً بالفعل.
دان صبّاغ/عن صحيفة الغارديان